جواد بلا فارس           

 المحرر : نوران رضوان

 

 

 

نظرت طويلا إلى تلك الجياد و هى واقفة شامخة ... وتسآلت أين الفرسان   الذين يمتطون تلك الجياد؟!! ثم وجهت بصرى الى الشمس فوجدت الفرسان قادمة نحوي ... آراهم الآن ... إنهم آخذون في الاقتراب مني ... أشعر بقشعريرة فى جسدى من مهابتهم ولكن بداخلي شغف وفرحة تغمرنى لرؤيتهم، أحب أن أتعرف عليهم عن قرب فكل واحد منهم حمل الراية لينصر دينه وأمته .. فدعونا نتعرف عليهم وعلى الأسباب التي جعلتهم يحققون تلك الانتصارات العظيمة؟

 

الفارس الاول

 وصفه : رجلا نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طويل القامة، أحنى( أى منحنيا نحو الصدر)، أثرم الثنيتين (أى مكسور الأسنان) وقد أصبح أثرم فى يوم أحد عندما دخلت فى وجنتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) حلقتان من المغفر ، فأخذ بثنيته إحدى حلقتى المغفر فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه.. ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، انه أبو عبيدة بن الجراح.

 إنجازاته : هوالقائد الذى يجمع بين الحنكة العسكرية و الخلق الربانى بين القدرة على وضع خطط المعارك للجيوش و بين التذلل بين يدى الله . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة". (رواه البخارى). و قال عمر بن الخطاب" لو كنت متمنيا، ما تمنيت إلا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبى عبيدة". وقال فيه عمر بن الخطاب أيضا:" لو أدركت أبا عبيدة لاستخلفته وما شاورت، فإن سئلت عنه، قلت، استخلفت أمين الله وأمين رسوله".

و هو الفارس الذى ظهرت عبقريته فى فتوح الشام فكان بطل اليرموك و فاتح بيت المقدس، ولنرى كيف فتحت القدس... كان جيش عمرو بن العاص فى طريقه إلى بيت المقدس فوصلها وأدركه أبو عبيدة وجيشه وباقى الأمراء بمن معهم من جنود، فحاصروها حتى أجاب أهلها إلى الصلح شريطة أن يقدم عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتب له أبو عبيدة طالبا منه القدوم إلى بيت المقدس، فأتى عمر وتسلم مفاتيح القدس من أهلها.

حياته: طلب أمير المؤمنين عمر من أبو عبيدة أن يأخذه إلى منزله ، فرد أبو عبيدة :" وما تصنع عندى؟ ، ما تريد إلا أن تعصر عينيك على" ، ودخل عمر منزل أبى عبيدة فلم يرى شيئا، قال:"أين متاعك؟، لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا، وأنت أمير, أعندك طعام؟ " فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة :" قد قلت لك، إنك ستعصر عينيك على يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل"، فرد عمر :" غيرتنا الدنيا كلنا، غيرك يا أبا عبيدة".

وفاته: رغب عمر فى زيارة الشام واتجه أبو عبيدة إلى الجنوب لإستقباله، وقبل أن يصل عمر، عرف أن بالبلاد طاعون، فلم يكمل مسيرته إليها وبعث إلى أبو عبيدة أن يأتى، فرفض وأبى أن يترك جنوده وأرسل إلى عمر بهذا، فلما قرأ عمر الكتاب، بكى ، وروى أنه لما اشتد الوباء قام أبو عبيدة وخطب فى الناس وقال:" أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم (صلى الله عليه وسلم) وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه"، فأصيب أبو عبيدة مع من أصيب من الناس.

 الفارس الثانى

وصفه: خاشع القلب غزير الدمع، اذا سمع القرآن دمعت عيناه، كان يرى أن الله خلقه لأمر عظيم، فارس نبيل وبطل شجاع وقائد من أفضل من عرفتهم البشرية وشهد بأخلاقه أعداؤه من الصليبيين قبل أصدقائه وكاتبوا سيرته، إنه نموذج فذ لشخصية عملاقة من صنع الإسلام، إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل معركة حطين.

إنجازاته : أقام "صلاح الدين" دولة قوية واطمأن إلى وحدتها وتمسكها بكتاب الله وسنته انتقل إلى الخطوة الأخرى وهى قتال الصليبيين وطردهم من البلاد ، وبدأ في سلسلة من المعارك انتصر فيها ، ثم حقق النصر العظيم على الصليبيين في معركة "حطين" سنة 583ﻫ- 1187م

سقطت فى تلك المعركة المدن والقلاع التي أقامها الصليبيون في يد "صلاح الدين" ، مثل "طبرية" و"عكا" و"قيسيارية" و "نابلس" و"يافا" و"بيروت" . وأصبح الطريق ممهد لفتح "القدس" التي ظلت تحت أيدي الصليبيين لمدة تزيد على تسعين عامًا، فتقدم "صلاح الدين" إلى مدينة "القدس" وحاصرها حصارًا شديدًا حتى استسلمت وطلب حكامها الصلح ، ودخل "صلاح الدين" "القدس" في مشهد عظيم وفى يوم من أعظم أيام الإسلام ، وفرح المسلمون في كل مكان بهذا النصر العظيم الذي أعاد لهم بيت المقدس في 27 من رجب 583 ﻫ - 2 من أكتوبر 1187م .

وتجلت سماحة "صلاح الدين" في دخوله مدينة القدس ، فلم يثأر للمذابح التي ارتكبها الصليبيون عندما احتلوا المدينة ، ولكنه سمح لكل صليبي أن يفتدى نفسه، كما أعفى أكثر من ألفين من الأسرى من دفع الفدية ؛ لأنهم لم يكن معهم مال ليفتدوا به أنفسهم ، كما أطلق سراح كل شيخ وامرأة عجوز ، ومنح الأرامل واليتامى والمحتاجين أموالا، كلُّ حسب حاجته.

حياته: كان اذا سمع أن العدو قد داهم المسلمين خر إلى الأرض ساجدا لله داعيا " إلهى قد انقطعت أسبابى الأرضية فى نصرة دينك و لم يبق إلا الإخلاد إليك و الاعتصام بحبلك و الاعتماد على فضلك ، أنت حسبى ونعم الوكيل"

 وفاته: وفى أثناء مفاوضات صلح "الرملة" التي جرت بين المسلمين والصليبيين مرض السلطان "صلاح الدين" ولزم فراشه ، ثم توفي في27 من صفر 589ﻫ - 4 من مارس 1193 م ، ولما توفى لم يترك مالاً ولا عقارًا ، ولم يوجد في خزانته سوى دينار واحد وسبعة وأربعين درهمًا.

 الفارس الثالث

وصفه: نشأ في "جبله" على الساحل السوري، وكان في صغره يميل إلى الانفراد والعزلة وإطالة التفكير .. ودرس في الأزهر حيث كانت مصر تموج بروح الثورة والتغيير ، عاد إلى موطنه يحمل رسالة التعليم والثورة إلى الصغار والكبار .. الشباب والشيبة على حد سواء .. معلماً حاذقاً وخطيباً مفوها. أنه الشيخ عز الدين القسام.

إنجازاته : جاهد الاحتلال الفرنسى فى سوريا حتى حكم عليه بالاعدام فسافر الى فلسطين، فحمل راية الجهاد المقدس فى منتصف الثلاثينيات ضد اليهود و الحركة الصهيونية، عندما قدم الشيخ القسام إلى حيفا بدأ في الأعداد النفسي للثورة وجعل القسام من دروسه في المسجد وسيلة لإعداد المجاهدين وصقل نفوسهم وتهيئتها للقتال في سبيل الله، و كان أكثر المشايخ تطرقا لضرورة الجهاد ولمنع الصهيونية من أن تحقق أحلامها في بناء وطن قومي على أرض فلسطين .

وكان الشيخ يجلس مع رفاقه بعد صلاة الفجر في حلقة صغيرة يتحدث الشيخ عن فضائل الجهاد في الإسلام وثواب الاستشهاد في الآخرة ، استغل الشيخ القسام ثورة البراق وأخذ يدعو في خطبه العرب و المسلمين إلى التصدي لكل من الإنجليز والصهيونية الحاقدة .

حياته : سافر الشيخ المجاهد عز الدين القسام لمصر للأزهر طلباً للعلم وهناك كان يحضر دروس الشيخ محمد عبده واستمرت دراسته في الأزهر عشر سنوات عاد الشيخ عز الدين القسام إلى سوريا عام 1906 بعد أن نال الشهادة الأهلية وأخذ يدرس العلوم الأدبية والقراءة والكتابة وحفظ القرآن لأطفال القرية وتولى

خطابة الجمعة في مسجد المنصوري فدب في القرية حماس ديني شديد فكانت شوارعها تُرى مقفرة إذا أذن لصلاة الجمعة، وبنشاطه في الدعوة والتعليم ذاع صيته وانتشر اسمه

وفاته: غادر الشيخ القسام مع مجموعة من المجاهدين حيفا متجهاً إلى يعبد ، وكان يتعقبهم مجموعة من عملاء البريطانيين إلى أن عرفوا مكان استقرار الشيخ و رفاقه، فحاصرهم البوليس الإنجليزي فى عام 1935م وكان يقدر عدد أفراد البوليس بـ 150 فردا من الشرطة العرب والإنجليز وعندها عرف القسام أن البوليس قادم لا محالة … عندها أعطى الشيخ لاتباعه أمرين عدم الخيانة حتى لا يكون دم الخائن مباحا و عدم إطلاق النار بأي شكل من الأشكال على أفراد الشرطة العرب، بل إطلاق النار باتجاه الإنجليز . وكان الضباط الإنجليز قد وضعوا البوليس العربي في ثلاثة مواقع أمامية ولم يكن هؤلاء عارفين بحقيقة الجهة التي أُحضروا إليها وحقيقة الجماعة التي يطاردونها .

اتخذت المعركة بين الطرفين شكل عراك متنقل ، وساعدت كثافة الأشجار على تنقل أفراد الجماعة من موقع إلى آخر، و كان الشيخ من الفعالين في القتال ، فقد حارب ببندقية و مسدس بالتناوب ، في الوقت التي كانت شفتاه تتفوهان بالدعاء … ورغم المقاومة الباسلة التي أبداها الشيخ ورفاقه ، فقد كانت نتيجة المعركة استشهاد الشيخ و اثنان من رفاقه .

ظن البريطانيون أن مقتل الشيخ يعني انتهاء الثورة وأنهم سيصبحون في راحة، لكن الأمر أتى على خلاف ذلك ؛ إذ كان لمقتل الشيخ القسام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936, وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة حركة المقاومة الفلسطينية بعد ذلك.

و هنا انتهى الحديث و أخذ كل فارس جواده و رحل ... و ظل بصرى متعلقا بهم حتى غابوا عن عينى... ولكنهم تركوا أثر فى نفسى... والتفت بجانبى فوجدت أنه لازال هناك جواد بلا فارس... و لازلت أنتظر هذا الفارس.

 

المصادر:

http://www.khayma.com/sahaba/sah2.html

http://www.al-eman.com/Monwat/Ozamaa/Salah.asp

http://kids.islamweb.net/subjects/SalahElDin.htm

http://www.asnanaka.com/kasam.htm

 


عدد الزيارات : 397

Share

مقالات ذات صلة :
  • حوار أبكاني

  • قصة كفاح

  • رسالة إلى الشعب الفلسطيني

  • نكـبة فلسـطـين وصمـة في جـبين الإنسانيـة

  • أغيثوا أقصانا..... هنا مسرى الرسول و مشى المسيح وأمه البتول

  • رسالة من فتاة فلسطينية

  • هل ستشرق الشمس؟

  • الخطة الصهيونية للشرق الأوسط ....واجبنا أن ننتبه لهم

  • رسمة أقوى من ألف كلمة

  • شجر الليمون

  • مرحبا باراك أوباما ... وداعا مايكل جاكسون

  • رسالة عزاء إلى أسرة الدكتورة مروة الشربيني يرحمها الله

  • خطاب مفتوح إلى الخارجية المصرية

  • سر مدينة أورشليم

  • فلافل ( طعمية ) حمص شام.. أكلاتنا وليس لإسرائيل منها نصيب

  • لا أمان لهم

  • إلـــــــــــــــــــــــــى مـــــــــــــتــــــــــــــــى؟!

  • جولة في الحرم الإبراهيمي

  • الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية

  • كنيس خرابهم

  • خوفنا يحاصر غزة

  • أياد تعمل بليل و القدس تضيع

  • لماذا تطاولوا علينا؟

  • مشاهد تراجيدية ذات مدلولات خطيرة

  • صرخة في الأرض العربية... الظلم مرتعه وخيم

  • يوم فاصل في تاريخ مصر.. 25 يناير 2011

  • يوميات ما بعد الثورة

  • يوميات ما بعد الثورة2_كريم ...صرخة غضب

  • كيف نفهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

  • رسالة من الثوار العرب للصهاينة

  • ثورة أم صحوة؟؟

  • وعادت مصر للمصريين

  • الاتحاد قوة الضعاف

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • Tilly     IffZOXRHuOgPVzBzP

    That's not just the best aneswr. It's the bestest answer!

  • الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق