الجسد           

 المحرر : فاطمة داوود

حملقت سارة في سقف الغرفة كعادتها دائماً.. سمعت فى خارج الشرفة التي لا تبعد عنها سوى بعض خطوات زقزقة عصافير أرادت أن تنهض إلا أن جسدها رفض أن يطيعها كعادته منذ سنين ليس هذا فقط إنه أيضا أعلن تمرده عن رغبتها في النهوض بزيادة آلامها, أطلقت زفرة ألم و انسابت من مقلتيها دموع الم و حسرة حتى بلت الوسادة و هي تتذكر كم كانت فتاة لا تمل و لا تكل من الجري و اللعب من سنوات قليلة.

سارة يجب أن تتناول شيئاً يا ابنتى

سارة: لا أستطيع يا أمى ربما في وقت لاحق.

خرجت الأم و تركت سارة بمفردها تتابع النظر إلى سقف الحجرة..إنها تسمع صوت صديقاتها يمرحون و يلعبون و هي حبيسة ذلك الجسد المريض الذي لا يعطيها سوى الآلآم بلا حدود عند أقل حركة.

نظرت إلى الجريدة الملقاة بجوارها لتلتقط عيناها ( باحث مجنون يعلن عن إمكانية اختيار الجسد)

أسرعت تتناول دوائها و تأخذ بعض الحبوب المسكنة التي أصبحت كرفيق مخلص لها حتى تتمكن فقط من الاعتدال على سريرها و التقاط الجريدة

فعيون متلهفة و أصابع مرتعشة أخذت تقرأ الخبر

( باحث مجنون يسجل براءة اختراع... أعلن باحث مجهول عن إمكانية اختيار الفرد لجسده, فبدل عمليات التجميل كل ما عليك هو اختيار الجسد المناسب و سيقوم هذا العالم إحلال روحك في الجسد الجديد لتبدأ حياتك الجديدة كما تريد)

ها هل هذا معقول ؟؟؟ هل من الممكن أن يكون هناك أمل جديد في أن أعيش أجمل سنوات عمري, هل هذا معقول؟؟؟

قرأت المقال مرات و مرات لتجد شيئا ما قد يقودها إلى هوية هذا العالم بلا فائدة,,, التقطت بلا تردد الهاتف و قامت بالاتصال بالجريدة على الفور

سارة: ألو جريدة الجمهورية

المتلقي: نعم, تحت أمرك يا فندم

سارة: أنا صحفية و كنت أريد إجراء حوار صحفي مع هذا العالم فهل من الممكن أن تعطيني أي بيانات أستطيع بواسطتها الوصول إليه

المتلقي: لا أعرف حقا, فهذه من أسرار الجريدة

سارة: من فضلك, أنا صحفية ناشئة و هذا الموضوع يعد مشروع حياتي ( قالتها برجاء حقيقي جعل المتلقي لا يملك إلا أن يجيب طلبها)

المتلقي: حسناً سأعطيك عنوان معمله احضري ورقة و قلم

أخذت سارة تكتب العنوان في لهفة و شكرته من صميم قلبها

تحاملت على نفسها و ارتدت ملابسها.

والدة سارة في دهشة: إلى أين تذهبين ؟؟؟؟

سارة: سأتمشى قليلا عند النهر.. اشعر بتحسن كبير اليوم

ما هي إلا دقائق حتى كانت واقفة أمام المبنى الذي يوجد بها معمل هذا العالم

و ضعت يدها على صدرها لتوقف نبضات قلبها التي تسارعت و كأنها تعلن خوفها و احتجاجها من المجهول القادم

أخذت نفس عميق و دلفت إلى الداخل صعدت السلم المترب الذي تترك فيه قدميها آثار و كان هذا المبنى مهجور لم يدخله أحد منذ سنوات, استمرت في صعود درجات السلم حتى توقفت أمام الشقة المطلوبة مدت يدها لتدق الباب,

ما هذا أحدهم ترك الباب مفتوح

فتحت الباب قليلا و قد أطلق صرير خافتا و كأنه غير معتاد على أن يفتحه أحد و أخذت تمد بصرها لترى ما إذا كان أحد هناك بالداخل, إلا أن الضوء الخافت حال دون تحقيقها لمرادها.

هل من أحد هنا.. أرادت أن تقولها بصوت قوي واثق, إلا إنه خرج عن الرغم منها مهتز, ضعيف.

أعادت السؤال مرة أخرى.

نعم آنستى

هاااااااااااا التفتت في قوة إلى مصدر الصوت و قد كاد قلبها أن يقفز من حلقها

كان رجل يناهز الخمسين, ما تبقى من شعرة أشعث و قد زحف علية الشيب... قصير القامة بشكل ملحوظ.... يرتدي معطفا كمعطف الأطباء و قد زاده طول المعطف قصرا........كان احد الشخصيات الروائية خرج للتو من بين طيات صفحات إحدى كتب الرعب القديمة.

أي خدمة آنستي؟؟؟؟

سارة: ها لا لا شكرا شكرا, نطقتها في رعب و ذهول واضحين

أنا البروفيسور سيد لا تخافي اجلسي

جلست سارة على الأريكة الوحيدة الموجودة في الصالة و قد بلغ الألم جسدها من شدة توترها ما بلغ

سارة: أنا سارة لقد قرأت عنك في الجريدة

البروفيسور في خبث و كأنه فهم ما تريده تماما: ثم؟؟؟؟؟؟

سارة: أنـ.. أنـ.. أنـا أريد......

البروفيسور: ماذا تريدين يا آنستي

سارة: أريد أن أطلع على بحثك الأخير بخصوص الجسد

 البروفيسور: أها الجسد, قالها وهو يتطلع إلى جسدها الذي مازال يحمل بعض آيات الجمال

و لماذا تريد واحدة مثلك ذلك

سارة و لم يزاولها خوفها بعد لا شيء: لا شيء مجرد فضول.

البروفيسور: لم استقبل أي زوار منذ زمن, ولما لا هيا بنا

قادها عبر ممر طويل مضاء أيضا بضوء خافت ثم وقف أمام حجرة "هنا المدخل إلى أبحاث الغد" و فتح الباب

أغلقت سارة عينها بقوة من الضوء الباهر بعد أن اعتادت عينها الضوء الخافت بالخارج.

سارة: واااو ما كل هذه الأجهزة, قالتها وعينها تلتهمان بشغف كل جزء من أجزاء المعمل و البروفيسور يرمقها بابتسامة عجيبة, من الواضح أنها تجاهلته تماما أو تناست وجودة بالمرة و هي تتجول في الغرفة إلى أن وقع بصرها على مجموعة من الاسطوانات المتراصة موازية للجدار و قد غلفت شبورة ثلج زجاج الاسطوانة

اتجهت ببطء إلى إحدى الاسطوانات و مسحت بيدها زجاجها

ارتدت في فزع إلى الخلف عندما رأت الوجه البشري المطل من داخل الاسطوانة

البروفيسور: هوني عليك آنستي, إنهم أموات, و الأموات لا تؤذي أبدا أليس كذلك؟

سارة: نعم نعم و لكنها المفاجئة, لم أكن أتوقع أبدا أن أجد جثث هنا

البروفيسور في خبث: ومن أين سأجد الجسد البديل في رأيك؟؟"

سارة: و هل من الممكن استبدل الجسد في رأيك؟ و ماذا عن الروح ها؟ كيف ستضعها في الجسد الجديد؟ و هل سيتقبلها الجسد الجديد؟و هل....

البروفيسور: هههههههههههههه مهلا آنستي التقطي أنفاسك حتى أستطيع الإجابة على كل أسئلتك

أولا: أبحاثي تقول نعم الجسد الجديد سيتقبل الروح كما في الماضي اخترعوا دواء حتى يتقبل الجسد العضو الجديد نفس النظرية هنا دواء ليتقبل الجسد الجديد الروح

سارة: و هل جربت هذه التجربة من قبل؟؟؟؟

البروفيسور: همممممممم لم تتعدى مجرد أبحاث للأسف فلم أجد أي متطوع بعد

سارة: أها و لكن ما هي نسبة النجاح

البروفيسور: و هو يجمع أوراقه المبعثرة في حماس " 100%   100% "

سارة: و لكن و لكن.......

البروفيسور: أتمنى فقط أن أجد متطوع ليرى هؤلاء من اتهموني بالجنون من أنا

أخذت سارة تفكر " أي شيء أي شيء سيكون أهون من ما أنا فيه, جسدي يتمزق, روحي تختنق, أجمل سنوات عمري تضيع هباء" أخذت قرار حاسما و قالت في قوة و إصرار.... أنا أتطوع

سارة:يها البروفيسور في لهفة جذلة: أنتِ؟؟؟؟؟

سارة : نعم هل يوجد مانع

البروفيسور:  و لكنك جميلة لا تحتاجين لجسد جميل. لماذا تريدين استبدال جسدك؟؟؟

سارة: جسدي مريض, أريد جسد آخر مليء بالحيوية, أريد أن أعيش, أريد أن أغادر فراشي و حدود حجرتي لأرى العالم..

اتجه البروفيسور في سرعة ممزوجة بلهفة كأنه لا يريد أن يفوت هذه الفرصة الذهبية إلى أحد الاسطوانات و أزاح عنها الشبورة و قال لها كمن يعرض بضاعة, ما رأيك في هذا الجسد؟؟؟؟

اتجهت سارة إلى الاسطوانة: إنها فتاة جميلة في نفس عمري تماما و لكن و لكن كيف توفيت في ريعان شبابها

البروفيسور: معظم الجثث هنا, أتتني عن طريق سمسار للموتى أي لا أعرف شيء عنهم و لماذا يهمنا هذا ؟؟ فهذا الجسد سيكون مجرد وعاء لا أكثر.

سارة: متى يمكنك إجراء التجربة؟؟؟

البروفيسور: أأنتِ متسرعة هكذا آنستي؟؟؟؟

سارة: لا و لكنى اتخذت قرار بأن أعيش.

البروفيسور: إذا هيا بنا

سارة: هيا بنا.

اتصلت سارة و هي مسجاة على منضدة العمليات و بجوارها الجسد الآخر بوالدتها لتخبرها أنها ستقضى الليلة عند صديقة لها.

بعد فترة من الزمن لا تدرى طولت أم قصرت إلا أنها استيقظت لتجد نفسها ممدة على سرير وثير في غرفة غريبة. أشعلت المصباح بجوارها و جلست على طرف السرير

يا الله هذه المرة الأولى التي لا تشعر فيها بالألم لمجرد قيامها من السرير نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط لتجدها تشير إلى الساعة الرابعة فجرا.

ما هذا لماذا لم يجرى هذا البروفيسور العملية؟؟؟؟ هل وجد أي مشكلات تحول دون القيام بها ؟

أخذت تسير جيئة و ذهابا في توتر حتى طلع ضوء الصباح, سمعت سارة زقزقة العصافير في خارج الشرفة و لأول مرة منذ زمن تجري باتجاه النافذة لتفتحها على مصراعيها وترى العصافير و تمايل أوراق الشجر. نظرت إلى السماء و كأنها تراها أول مرة

" كيف حالك الآن"

انتفضت في فزع فلم تشعر بقدوم البروفيسور أو حتى دخوله إلى الغرفة

" لا تخافى آنستى , كيف حالك اليوم"

سارة في عصبية: لماذا لم تقم بالعملية هل توجد مشاكل ؟؟ أنا لم آخذ إذناً من والدتي إلا يوما واحد؟

البروفيسور: هههههههههه متعجلة أنتِ دائما, و أخرج من جيب معطفه مرآه و وضعها أمام وجهها و هو يبتسم في جذل

سارة في فرحة عارمة: أخيرًا أخيراً تحررت من جسدي المريض

أخيراً سأحيا سأحيا.

أخذت تنظر إلى وجهها في المرآة و تنظر إلى يدها في فرح و ذهول

انهالت عليه بالقبل " أنت عبقري عبقري عبقري, كيف أشكرك؟؟"

ابتسم البروفيسور و قال: يكفى أن يرى العالم عبقريتي متمثلة فيكِ.

و لكن كما أخبرتك يجب أن تخذى الدواء حتى لا ترفض روحك الجسد.

سارة: حاضر حاضر.

الآن أتركك لتستريحي

سارة: أستريح هههههههههههههه لقد تعبت من الراحة.

تركها البروفيسور و خرج و هي مازالت ممسكة بالمرآه و تنظر في إعجاب إلى جسدها الجديد.

استلقت على الفراش في دلال و مرح و على شفتيها ابتسامة رائعة تظهر ما بداخلها من راحة و هدوء نفسي.

لم ترى البروفيسور في ذلك اليوم إلى أن حل المساء سمعت صوت طرقات على الباب

سارة: ادخل

البروفيسور: الدواء آنستي و يمكن أن تغادري المعمل في الصباح إذا أردتي فكل شيء على ما يرام.

سارة: فعلا أستطيع هذا؟؟ سأستطيع أخيرا أن أبدأ حياتي,

قالتها و لم تدرك أن الكابوس لم يبدأ بعد......


لم تشعر بالنوم في ذلك الوقت فأخذت مجلة قديمة كانت ملقاة بإهمال على المنضدة المجاورة, وتصفحتها في هدوء حتى داعب النوم جفنيها فأرادت أن تستلقي على السرير حتى تستعد ليوم حافل في مواجهة والدتها في الصباح و لكن ما هذا ما هذا؟؟ إن الجسد يرفض تماما أن يخضع لأوامرها

أرادت أن تنهض و لكن الجسد رفض مرة أخرى, أرادت أن تمد يدها أن تفعل أي شيء و لكن هيهات بلا فائدة

و فجأة و جدت الجسد ينهض و يتجه إلى باب الغرفة.. أرادت أن تصرخ أن تفعل أي شيء ولكن هيهات فالجسد الآن هو المسيطر على الروح, أرادت أن تصرخ حاولت و حاولت و حاولت كانت كالمنقادة وراء مجهول, لا تستطيع التحكم في ذلك الجسد.

أرادت أن تستنجد بذلك البروفيسور لعله خطأ ما و لكن كيف السبيل إلى ذلك كيف كيف؟؟ .

اتجه الجسد إلى غرفة الجلوس كان البروفيسور جالس على الأريكة الوحيدة الموجودة هناك و التقط أحد المشارط الجراحية بهدوء مستفز و انهال علية بالطعن. و خرج بهدوء كمن لم يفعل شيئا انطلق الجسد إلى العالم الخارجي.

أدركت سارة ما يحدث الآن

لقد سيطر الجسد على الروح, و ما من مفر الآن لقد أصبحت أسيرة جسد لا يرحم!!!!!!!

بقلم له ضمير


عدد الزيارات : 259

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • أما آن لموتى القبور أن يستيقظوا؟!!

  • الفرار

  • العار

  • مباراة متوازنة جداااااااا

  • صدر الحكم يا سادة

  • الطير المهاجر

  • إنا لله وإنا إليه راجعون

  • يا رسول الله

  • خواطر من يوم أكتوبر

  • ترنيـمة الغربــاء

  • التجربة المخيفة _ الجزء الأول

  • التجربة المخيفة _ الجزء الثاني

  • دروب الوهم والأمل

  • شـــــذرات

  • مع كل رشفة صباحية

  • قصيدة الحب روض بابه الإخلاص

  • صاغها الفؤاد وقالها اللسان

  • رحلة إلى مدينة البالونات

  • الحب الحقيقى

  • أنـــا الفاتــنة

  • أين ذهب مذاق السكر ؟

  • عمر ذات الثالثة عشر عاما يدرس في الجامعة الأمريكية

  • قصيدة مثل أسلافهم

  • ذكرى موت القلوب

  • قصيدة إلى متى ؟؟

  • شاب عراقي يحل لغز أرقام برنولى

  • الـــــغــــراب

  • في موقف الأتوبيس

  • إرادة حديدية

  • القرش

  • تخيل

  • مستشفى 57357

  • امسك العصابة

  • ياريتنى أكون

  • الإرهابي

  • آه يا قلبي

  • هذه هي همة الصغار ... فأين منها همة الكبار؟

  • انا هى تلك الفتاة

  • ما زالوا يطرقون ابوابنا

  • مصر هتتغير بأيدينا.. تجربة رائعة لمواطنة مصرية

  • رجب و موسوعة جينيس

  • وصل صوتك مهما كانت الضغوط

  • رمضان بالمغرب

  • بأي جديد جئت يا عيد!!

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق