معجزة الاسلام _ الجزء الثانى           

 المحرر : هبه حسام

عمر بن عبد العزيز

" إن لي نفساً تواقة, لا تنال شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه "

من أقوال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه

هيا هيا أحبتنا في الله لنتابع قصة حياة هذه الشخصية العظيمة حتى نتعلم من هذا الورع الذي ملأ الدنيا عدلاً وتقى كي نسير على خطاه ونهتدي به .

طفولة عمر بن عبد العزيز:

في هذه الفترة من حياة ((عمر بن عبد العزيز)) تتعاون عوامله الوراثية مع مواهبه تعاوناً وثيقاً, فنفسه التواقة التي سنراها, والتي تحرك مشاعره وتقود خطاه, نجدها لدى أبيه ((عبد العزيز بن مروان)) تدفعه هو الآخر إلى معالي الأمور على نحو عجيب!!

حدث أن لحن ((عبد العزيز)) يوماً في حديثه مع رجل جاء يشكو إليه ختنه, أي زوج ابنته, فسأله ((عبد العزيز)):

" و من ختنك ؟"

فأجاب الرجل: " ختنني الخاتن الذي يختن الناس."

فقال ((عبد العزيز)): "إنما أسالك عن اسم ختنك."

فأجابه الرجل معقبا: "إذن كان ينبغي أن تقول: (من ختنك), بضم النون لا بفتحها."

فأسرها ((عبد العزيز)) لنفسه في نفسه.

وفي اليوم التالي أغلق عليه داره, وراح يتدارس نحو اللغة وقواعدها مع نفر من العلماء النحاة, حتى أجادها وأتقنها, وصار مضرب المثل في الفصاحة..!!

ليس ذلك فحسب, بل أذاع بين الناس في مصر وأفريقيا – حيث انتظمها حكمه وسلطانه – أن الذين يتعلمون العربية ويجيدونها سيكون عطاؤهم من بيت المال أوفى من الآخرين.

وتاقت نفسه إلى الجود, فصار أجود أمراء بني أمية جميعاً وأسخاهم, ولم يكن يعطي عطاءه للشعراء كي يمتدحوه ويتملقوه كما يصنع الآخرون, بل كان يعطي الذين هم بحاجة إلى العطاء.

وكان شعاره في هذا السلوك كلماته المأثورة:

   " عجبت لمؤمن يؤمن أن الله يرزقه ويخلف عليه كيف يحبس ماله عن عظيم الأجر وحسن الثواب " ؟!

ولقد وصفه مؤرخو سيرته, فقالوا:

" كان من أعطى الناس للجزيل" !!

كذلك كانت نفس عبد العزيز تواقة للتقوى, ومخافة الله, وإن لم يبلغ فيهما ما بلغه ابنه من بعده, ولقد عبر عن هذه الخشية لربه حين أدركه مرض الموت, فكان يقول:

" وددت أني لم أكن شيئاً مذكوراً. ولوددت أني دفقة في هذا الماء الجاري أو نبتة بأرض الحجاز " . . !!

هذه النفس التواقة عند الوالد تنتقل إلى الابن على نحو أعظم, وأشمل, وأغزر.

((فأناقة النفس)) فضيلة بزغت في طفولة ابن عبد العزيز, ورأيناها تعبر عن نفسها آن ذاك بالترفع عن اللعب مع الأتراب والأنداد, والإقبال على مجالس الحكمة مع العلماء والفقهاء.

كما رأيناها تعبر عن نفسها بالترفع عن الدنايا, كالكذب مثلاً, الذي أدرك الطفل – وهو طفل – أنه يزري بصاحبه ويوقع به الأذى والضرر..

وأيضا رأيناها تعبر عن نفسها بتجنبها لغو القول, ولغو العمل, والاستعاضة عن الأول بالصمت المتأمل المفكر.. وعن الثاني بالجد المثابر المتزن..

هذه الفضيلة نفسها التي أسميناها ((أناقة النفس)) نلتقي بها في شباب ((عمر)) تنمو وتتمدد مستصحبة معها تعبيراتها في أثناء الطفولة في نماء جديد لها.

وهكذا نرى ((أناقة النفس)) تتسع لتشمل ((أناقة المظهر)), لا باعتبار هذه الأناقة ترفاً, أو تأنقاً بل بوصفها امتداداً لفضيلة ((أناقة النفس)) واتساعاً لدائرتها..

فمن ثم نبصر الشاب والرجل في (( عمر بن عبد العزيز)) يلبس أبهى الثياب وأغلاها .. ويضمخ نفسه بأبهج عطور دنياه, حتى إنه ليعبر طريقاً ما, فيعلم الناس أنه عبره من ذلك الأريج الفواح الذي يعبق به جو ذلك الطريق زمناً طويلاً..!!

ثم هو يتأنق في كل شئ .. حديثه .. لفتاته.. مشيته التي انفرد بها, وشغف الشباب بمحاكاتها, وعرفت لفرط أناقتها واختيالها ب(( المشية العمرية)) ..!!

ولكن, لماذا نقول: إن هذا الإفراط في أناقة المظهر كان امتداداً لفضيلة ((أناقة النفس)), ولا نقول: إنه كان رد فعل لها ؟؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل, هي الإجابة نفسها عن تساؤلات كثيرة ستطرح نفسها علينا كلما رأينا ابن عبد العزيز – وما أكثر ما سنراه – يعب من مناعم الحياة عباً, ويأخذ من أطايبها ومباهجها بغير حساب 

والجواب عن كل هذه التساؤلات, إننا لم نر في كل مظاهر النعيم هذه, ردود فعل تعكس ظمأ أو جوعاً, أو كبتاً, لأن صاحبها لم يكن يقف من النعيم منذ ولد موقف الظمآن المحروم, ولا الكابت المكظوم..

هذا, أولاً..

وحقيقة أخرى, هي أن ((عمر)) – في أروع تألقات وتأنقات شبابه ورجولته, وفي الأيام التي كان يخوض خلالها في النعيم خوضاً – لم يعرف عنه قط أنه ارتكب إثماً أو اجترح خطيئة من تلك التي تشكل رد فعل لهوى مكبوت, أو رغبة مكظومة.

أجل .. لسوف يرينا القدر من أمر هذا الرجل عجباًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً .. !!

فبينما هو اليوم يجاء له بثوب من أغلى وأثمن وأنعم الحرير في العراق فيتحسسه بأنامله ثم يقول متأففاً :

" ما أخشنه من ثوب .. !!"

إذا به غداً عندما سنلتقي به خليفة للمسلمين, يجاء له بثوب خشن يعافه أكثر الناس فقراً, فيتحسسه بنفس الأنامل, ثم يقول والدموع تنهمر من عينيه :

" ما ألينه, وأنعمه ..إيتوني بثوب أخشن منه .. !!! "

وها هو ذا, يتقلب في نعيم يتعاظم كل وصف, ويتحدى كل إحاطة ..

إن دخله السنوي من راتبه ومخصصاته, ونتاج الأرض التي ورثها من أبيه يجاوز أربعين ألف دينار.. !

وإنه ليتحرك مسافراً من الشام إلى المدينة, فينتظم موكبه خمسين جملاً, تحمل متاعه.. !!

وإنه ليشتري الثوب من أغلى الأثواب وأبهاها, فيرتديه مرة واحدة .. وإن تواضع فمرتين.. ثم يبدو في عينيه قديماً بالياً .. !!!

وانه ليسبل إزاره, حتى يكاد يتعثر بذيله الهفهاف.. !!

ويمشي مشية متأنقة, يكاد يحسده عليها الطاووس .. !!

ويعصف ريحه, ويتضوع عبيره حيثما سار.. !!إنه ليبدو, وكأنه في سباق ضار – لا مع أصحاب النعيم – بل مع النعيم ذاته .. !!

 فوا عجبا .. !!

كيف يستطيع هذا الرجل أن ينسلخ من هذا كله, وفي لحظة من الزمان, حين تواتيه الخلافة, حتى يذهب إلى أقصى أبعاد النقيض وآماده.. ؟!!

 إلا أن شوقنا لرؤية ذلك التحول المذهل, ليكاد يعجل بنا ويقفز ..

لكن علينا أن نصابر ونتأني, حتى لا يفوتنا من مشاهد حياة ذلك الإنسان المعجز ما نحن في حاجة إليه, لكي نرى كل ملامح الصورة .. وزوايا الإطار .. !!

فتابعونا في الحلقة القادمة ..........


عدد الزيارات : 454

Share

مقالات ذات صلة :
  • معجزة الإسلام - الجزء الأول

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثالث

  • معجزة الاسلام _ الجزء الرابع

  • معجزة الاسلام _ الجزء الخامس

  • معجزة الاسلام _ الجزء السادس

  • معجزة الاسلام _ الجزء السابع

  • معجزة الاسلام _ الجزءالثامن

  • معجزة الاسلام _ الجزء التاسع

  • معجزة الاسلام _ الجزء العاشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الحادى عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثانى عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثالث عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الرابع عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الخامس عشر

  • المبرأة من السماء _ الجزء الاول

  • المبرأة من السماء _ الجزء الثانى

  • الامام الاعظم

  • رفيقة النبى فى الجنة

  • إمام دار الهجرة

  • من أهل بيت رسول الله

  • سيدة القصر

  • رجل اشترى الآخرة بالدنيا

  • المجادِلة

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق