معجزة الاسلام _ الجزء السابع           

 المحرر : هبه حسام

عمر بن عبد العزيز

البشرى

والله لأعقدن عقدا, لا يكون للشيطان فيه نصيب ..!!

ونعود من جديد لصحبة الرجل الصالح ((عمر بن عبد العزيز)) لنصاحب الجهد الخارق الذي سيكون على البطل أن يبذله حتى يجعل من الظلمات نورا. .

 ها هي ذي الخلافة تقترب منه. .

أتراه يطمع فيها, أو يريدها. . ؟؟

كلا, إنه ليس له فيها مطمع, فسليمان بن عبد الملك كان له أولاده. . ومن عادة خلفاء بني أمية إيثار أولادهم بالاستخلاف.

 فعل ذلك ((معاوية)) حين جعل الحكم ل((يزيد)) . . وفعله ((يزيد)) حين استخلف ((معاوية الثاني)).. ثم فعله ((مروان)) حين استخلف ولده ((عبد الملك)), وفعله ((عبد الملك)) حين نحى أخاه ((عبد العزيز)), وأخذ البيعة لولده ((الوليد)).

 كذلك لم يكن يريد الخلافة, إذ كانت بما تورطت فيه, قد صارت عبئا مبهظا على كل ذي تقي وضمير .. وكانت قداسة روحه التواقة إلى مرضاة ربها قد أخذت تنأى به شيئا فشيئا عن كل مغانم الحياة وزخرفها.

 وكان ثمة حادث وقع في أثناء ولايته على الحجاز, ترك في نفسه فزعا شديدا من السلطة والسلطان, وعاش عمره كله يغص بمرارته, ويعجب كيف غلب فيه على أمره وتقاه !!

 أما الحادث, فخلاصته انه تلقى كتابا من الخليفة ((الوليد)) يتهم فيه ((خبيب بن عبد الله بن الزبير)) بالتحريض على الأمويين والتشهير بهم, ويأمره بضربه ..

 وقام ((عمر)) بضرب ((خبيب)) ضربا أفضى به إلى موته, وحين أبلغوا ((عمر)) نبأ موته, نزل الخبر عليه كالصاعقة, بل كأن السماء انفطرت, والكواكب انتثرت, والقيامة قامت ...!!

 وغشاه الحادث بحزن قاتل, فأغلق على نفسه باب داره سبعين يوما – لابسا مسوحا أسودا, ضارعا إلى الله أن يغفر له ويعفو عنه.. وكشف له هذا الحادث عن خطر السلطة والإمارة, وتذكر قول الرسول, صلى الله عليه وسلم, عنها:

 "إنها نعمت المرضعة, وبئست الفاطمة" !!!

 وقوله عليه السلام:

"إنها في الدنيا إمارة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة, إلا من أخذها بحقها, وأدى الذي عليه فيها" ..!!

 رأى كيف وهو يتحرى العدل والرحمة أعظم التحري, قد ورطته السلطة في بعض آثامها. ولسوف يقضي العمر كله يرزح تحت وقع الندم, لا تفارق خياله صورة ضحيته, حتى حين يصير خليفة للمسلمين, ويأتي من معجزات العدل والورع والتقي ما يبدو أبعد من الأساطير .. حتى حين ذاك, لا ينسى ذلك الحادث الوحيد الذي وقع ضد إرادته وضد طبيعته ..

 أجل. . سنراه وهو خليفة يطيل البكاء, فيقول له حواريوه المقربون:

 "فيم بكاؤك, وقد وفقك الله لعمل أهل الجنة. . ؟"

فتزداد دموعه انهمارا ويقول :

"وكيف بخبيب ؟؟ وكيف بخبيب ؟؟"

ثم يصيح كالثكلى :

"إن نجوت من خبيب, فأنا بخير" ...!!

 لم يكن إذن يطمع في الخلافة ولا يريدها. ولقد آثر إن يحيا مع نفسه يزودها بزاد التقوى, ويهيئها للقاء الله يوم تلقاه على غير حال, وأهدى سبيل . .

 وفي هذه الفترة من حياته, نجده يعزف نفسه شيئا فشيئا عن الإغراق في التأنق, ويخفف من المناعم و الطيبات, ويشغف بالعزلة والتأمل العميق . . ثم نراه يحصر علاقاته المحدودة في نفر كريم من العباد والعلماء والزهاد. وخلال ذلك تتوثق صلته ب((رجاء بن حيوة)), وكان من علماء التابعين وفضلائهم, وكان موضع ثقة الخلفاء الأمويين, عاش معهم دون إن يفقد فضائل نفسه . .

 و((رجاء بن حيوة)) شخصية جليلة, لا نملك ونحن نتحدث عن ((عمر بن عبد العزيز)) إلا إن ننحني له تحية و تقديرا, فلقد اختارته المقادير – كما سنرى فيما بعد – ليكون السبب الأول والأوثق في إفضاء الخلافة لابن عبد العزيز, حيث سترى الدنيا منه معجزة الحاكم الورع العادل الطهور . .!!

 ففي هذه الفترة نراه ومعه شيخه وصديقه ((رجاء بن حيوة)) لا يكفان عن قرع أجراس الخطر, وإسداء النصح للخليفة ((سليمان)). لقد كان غياب العدل والرحمة عن دولة الأمويين, أكثر ما ينغص نفس ((عمر)). .

من أجل ذلك صارت كلمتا "العدل والرحمة" تسبيحة عذبة على لسانه, يلهج بها دوما, ويصبها في أسماع الخليفة صبا .

 وذات يوم, طاف بالخليفة ((سليمان)) طائف المرض . . وكان قبل مرضه قد عقد ولاية عهده لولده ((أيوب)), لكن ((أيوب)) مات, فصارت ولاية العهد شاغرة . فلما مرض ((سليمان)) وشعر انه مرض الموت, شغله أمر الخلافة.

 وتفرس وجوه بنيه, فألفاهم صغارا . . فأمر أن يلبسوهم أقمصة الخلافة وأرديتها, ويقلدوهم السيوف ليرى – على الطبيعة – كيف يكونون . . ؟؟ وجئ بهم إليه مزركشين بثياب الخليفة, متوشحين سيوفها, فوجدهم لا يمثلون جانب العين . . فقال أسفا:

"إن بني صبية صغار, أفلح من كان له كبار".

 وخلا بمشيره الأمين ((رجاء بن حيوة)), وراح يقلب معه وجوه النظر, فقال له ((رجاء)):

 "إن مما يحفظك في قبرك, ويشفع لك في أخراك, أن تستخلف على المسلمين رجلا صالحا"

قال ((سليمان)): "ومن عساه يكون . . ؟؟"

وأجاب ((رجاء)): " ((عمر بن عبد العزيز)) ". . !!

 وتلقى ((سليمان)) مشورة ((رجاء)) كالبشرى, فقد صادفت هوى في نفسه, بل صادفت عزما كان يضمره ويخفيه. . وهتف ((سليمان)) بعبارته المأثورة الباهرة:

 " والله, لأعقدن لهم عقدا لا يكون للشيطان فيه نصيب" !!!

 ولكن كيف السبيل إلى ذلك وإخوة ((سليمان)) قابعون كالنمور, واقفون للمنصب بالمرصاد. . ؟

فلنرى آلاما سيهتدي ((سليمان))... وأي خطة تلك التي تدور في خلده.. تلك التي ستكون سببا في إعجاز الأمة.. !!

 


عدد الزيارات : 243

Share

مقالات ذات صلة :
  • معجزة الإسلام - الجزء الأول

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثانى

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثالث

  • معجزة الاسلام _ الجزء الرابع

  • معجزة الاسلام _ الجزء الخامس

  • معجزة الاسلام _ الجزء السادس

  • معجزة الاسلام _ الجزءالثامن

  • معجزة الاسلام _ الجزء التاسع

  • معجزة الاسلام _ الجزء العاشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الحادى عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثانى عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الثالث عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الرابع عشر

  • معجزة الاسلام _ الجزء الخامس عشر

  • المبرأة من السماء _ الجزء الاول

  • المبرأة من السماء _ الجزء الثانى

  • الامام الاعظم

  • رفيقة النبى فى الجنة

  • إمام دار الهجرة

  • من أهل بيت رسول الله

  • سيدة القصر

  • رجل اشترى الآخرة بالدنيا

  • المجادِلة

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق