الرفق أساس الحياة           

 المحرر : اسماء طاهر العيوطى

منذ ما يزيد على أربعة عشر قرن من الزمان ، جاء الإسلام  ليكون خاتم الرسالات ويضع المنهج الكامل الذى يعلم الانسان أسس تعامله فى حياته بما يعود عليه بالنفع والخير فى حياته وآخرته  . واليوم أخوتى وتحديدا بعد ما نراه فى غزة تذكرت ذلك الخلق العظيم الذى أمرنا به الإسلام وله من عظيم الفائدة ما يحقق الخير للبشرية أجمع ، أتدرون ما هذا الخلق ؟ إنه الرفق ، نعم الرفق ذلك الخلق الذى اتبعه رسولنا الكريم فى أفعاله وتصرفاته مع كل ما حوله ومن حوله  وهو أيضا صفة ربانية اختصها الله لذاته فسمى نفسه الرفيق.

والمتأمل فى كتاب الله يجد أن آيات كثيرة اشتملت على معنى الترفق بالناس والقول اللين الذى يجذب القلوب فقال الله تعالى فى كتابه العزيز" فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفَضُّوا من حولكَ ..َ" سورة آل عمران159  ، كما قال تعالى " وقُلْ لعبادي يقولوا الَّتي هيَ أحسنُ إنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بينَهُم إنَّ الشَّيطانَ كان للإنسانِ عدوّاً مُبيناً" سورة الاسراء 53

كما دعانا الرسول الكريم الى نبذ العنف واتباع منهج اللين والرفق مع كل من حولنا  فعنه صلوات ربى وسلامه عليه قال" مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم" رواه البخاري ومسلم، وقال "لا تُنْزَع الرَّحْمَة إلا من شَقِيٍّ" رواه الترمذي .

وقد أوضح علماء اللغة معنى الرفق بأنه التلطف في الأمور، والبعد عن العنف والشدة والغلظة.

 

ولكن هل يقتصر الرفق على الإنسان فقط دون غيره ؟

 

لم يقتصرالرفق فى الإسلام  على الانسان دون غيره بل أمرنا الرسول بالرفق بالحيوان والطير والنبات حتى الجماد  ، وفى هذا أكبر دليل لكل مجرم يشوه صورة الإسلام ويقول أنه دين انتشر بحد السيف وأنه دين العنف والارهاب  ولكل  من يسمى نفسه حقوقى  أرد عليهم  لقد سبقككم الإسلام منذ مايقرب من قرن ونصف من الزمان واهتم بالحيوان بل وجعله أحد أسباب الدخول إلى الجنة أو الجحيم ، فالاسلام قسم الرفق الى أنواع منها

 

*الرفق بالناس: فالمسلم لا يعامل الناس بشدة أو عنف أو جفاء، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن الغلظة والشدة، قال تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك}

والمسلم لا يسب الناس، ولا يشتمهم، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [متفق عليه].

 

*الرفق بالخدم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقًا بالخدم، وأمر من عنده خادم أن يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلَّفه ما لا يطيق فعليه أن يعينه. يقول صلى الله عليه وسلم في حق الخدم: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعْتِقَه (يجعله حرًّا) [مسلم].

 

*الرفق بالحيوانات: نهى الإسلام عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، وقد مَرَّ أنس بن مالك على قوم نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة، فقال أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ البهائم (أي تحبس وتعذب وتقيد وترمي حتى الموت). [مسلم].

ومَرَّ ابن عمر -رضي الله عنه- على فتيان من قريش، وقد وضعوا أمامهم طيرًا، وأخذوا يرمونه بالنبال، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال لهم: مَنْ فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا (هدفًا يرميه). [مسلم].

ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم (أي: في الحروب) فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه (السكينة التي يذبح بها)، ولْيُرِحْ ذبيحته) [متفق عليه]. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش. بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت.

 

*الرفق بالجمادات: المسلم رفيق مع كل شيء، حتى مع الجمادات، فيحافظ على أدواته، ويتعامل مع كل ما حوله بلين ورفق، ولا يعرضها للتلف بسبب سوء الاستعمال والإهمال.

كما أمر الاسلام بالرفق بالزوجة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفق وارحم بعائشة رضي الله عنها من أبيها أبو بكر رضي الله عنه حينما جرى بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام حتى دخل أبو بكر حكما بينهما .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تكلمي أو أتكلم "

فقالت رضي الله عنها : تكلم أنت ولا تقل إلا حقا ..

فلطمها أبو بكر رضي الله عنه حتى أدمى فاها وقال : أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها ؟

فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره ..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

" إنا لم ندعك لهذا , ولم نرد منك هذا " صحيح البخاري

فقد كان الزوج العظيم أرفق بزوجته من أبيها و أحلم عليها منه وأشفق عليها .

فهلا اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى دعا الى الرفق بالأولاد  ، كما  أوصى  كل من يدع الى دين الله بالرفق بالناس والقول اللين لهم فالكلمة الطيبة لها أكبر تأثير على النفس أما الفظاظة والغلظة لاتأتى بنتيجة كما أن ديننا الحنيف دعانا الى الرفق أثناء الحروب فلا يعتدى المجاهد فى سبيل الله على شيخ كبير ولا امرأة ولاطفل فقال الله تعالى فى سورة البقرة وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لايحب المعتدين " وفى آية أخرى قال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"

فلم يحب الإسلام العدوان وليعلم كل معتد أن ما يجرى  الآن من مجازر ومحارق فى فلسطين هو أكبر اعتداء على من لاذنب لهم وأن من يدعى أن الصهاينة يدافعون عن أنفسهم فهذا بهتان وليس من الحق فى شئ  فأين هى حقوق الانسان وأين حقوق الأطفال يامن تحدثتم عن حقوق الحيوانات أليس ما يجرى فى غزة أكبر اعتداء على الحقوق أم أن الدم الفلسطينى لا يساوى لديكم قطة أو كلبا....؟!

هذا وقد أمرنا الإسلام باتباع الكلمة الطيبة لتتجمع القلوب على دين الله فيجب على كل من يدعو الى اتباع الإسلام والإيمان بالله أن ينصح الناس بالحسنى  ،فالشاردون عن الحقِّ، البعيدون عن جادَّة الصواب، التائهون في صحراء الجاهلية، يحتاج هؤلاء وأمثالهم إلى قلب كبير يحتويهم، وكَنَف رحيم يشملهم برعايته وحمايته وهدايته، إنهم بحاجة إلى العناية الفائقة والتوجيه الرشيد؛ بالرفق والإحسان والترغيب. والسبيل إلى ذلك الكلمة الطيِّبة، والوجه الطلق والثغر الباسم .

 

ولكل من يتهم الإسلام بالعنف فالأمثلة خير دليل فقد دخل أحد الأعراب الإسلام، وجاء ليصلى في المسجد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف في جانب المسجد، وتبول، فقام إليه الصحابة، وأرادوا أن يضربوه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأريقوا على بوله ذنوبًا من ماء -أو (دلوًا) من ماء- فإنما بعثتم مُيسِّرِين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين) [البخاري

وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رفق النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: ما خُيرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنْتَهَك حرمة الله؛ فينتقم لله -تعالى-. [متفق عليه]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (يسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا) [متفق عليه].

وفى هذا الموضع يجب أن أنوه الى أن  كثير من الناس يخلطون بين القوة والعنف وهما أَمران مختلفان فقد يكون الرجل أحياناً قويّاً كلَّ القوّة، وهو مع ذلك سَمْحٌ كلَّ السماحة، رحيمٌ كلَّ الرحمة رفيقٌ كل الرفق، كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) -التوبة: 128- ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) -الأنبياء: 107-

وقد يكون الرجل أحياناً ضعيفاً كلَّ الضعف، وهو مع ذلك ممتلئ الصدر بالحقد والشر، عنيف كلّ العنف إن واتته فرصةٌ للتحكم والتنكيل دون رحمة ولا شفقة ولا وازع من ضمير فالقوّة في الإسلام أمرٌ محمود، والعنف أمرٌ مذموم .

والقوة المطلوبة المحمودة في نظر الإسلام هي التي تلتزم الحقَّ والعدالةَ والخير، وتكون في خدمة الحقّ والعدالة والخير؛ وليست هي القوة التي يَطْغَى بها أصحابها فيكونون بها بلاءً ووبالاً على الإنسانية أجمع .

 

فضل الرفق:

من هنا نعلم أن للرفق دور كبير فى تحقيق السلام وإشاعة الخير والحب بين الناس فإذا قام فى الأسرة وجد الترابط الأسرى وإذا استعمله الحاكم مع محكوميه لعم الخير والأمن والأمان وإذا انتهجه كل داع الى دين الله لتجمعت حوله القلوب وكما روى الامامان البخارى ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  (( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )). والمسلم برفقه ولينه يصير بعيدًا عن النار، ويكون من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل) [الترمذي وأحمد].

وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس، فإن الله -سبحانه- سيرفق به يوم القيامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: (اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به) [مسلم].

كما أن المتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ، اتباعا لسنن الله في الكون واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم  تتيسر له الأمور وتذلل  له الصعاب

وأختتم قولى بهذا البيت الشعرى

من يستعن بالرفق في أمره  يستخرج الحية من وكرها

 

المصادر         

 

http://www.saaid.net/aldawah/

 

http://www.ozkorallah.net

 

 


عدد الزيارات : 317

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة_الدين المعاملة

  • جدد نيتك

  • رســالة من الحيـاة

  • زهقان مضايق

  • قاوم نفسك

  • مواعيدك تمام ولا…!!!

  • وشاورهم في الأمر

  • الحياء خلق الإسلام

  • التكافل ضرورة شرعية

  • العدل أساس الملك

  • تهادوا ... تحابوا

  • اللى خلقك مش حينساك.....

  • دعوة للحب بس بشرط

  • رحلة حب

  • أحسن ظنك ...يطمئن قلبك

  • عقيدة الروح

  • غربة رسالة

  • دعوة للحياة فى ظلال القرآن

  • الحلم سيد الأخلاق

  • الرضا...جنة الدنيا

  • وما صبرك إلا بالله

  • أقـــــوال أعجبتني

  • مراجعات ذاتــــيـــــة

  • متعة العطاء

  • بين ظلمة اليأس ...ونور الأمل

  • المفتاح السحري

  • السفور رذيلة

  • لمن يبغى النجاح

  • اشمعنى أناااا؟؟؟؟

  • معاً على خطى الحبيب

  • ابدأ بنفسك

  • مناجاة القلوب

  • إنها قصة حبي

  • اقرأ ..... نعم أنا بقارئ

  • أيوة طبعاً حسنة و أنا سيدك

  • وأقبل الضيف..

  • متطوعة في التأمين الصحي

  • من الفائز؟

  • وبالوالدين إحسانا

  • شريك حياتي

  • خلاف أم اختلاف

  • تربية الأبناء

  • إنما الأعمال بالنيات

  • ثقافة الاختلاف

  • كن قدوة _ حوار طفل مع أسرته

  • هكذا يجب أن يكون دعاؤنا

  • وفى المنع حكمة

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • Hala     يا ليتنا كنا

    ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل يارب اكتبنا منهم

  • الاسم  
    البريد الالكتروني    
    العنوان   
    التعليق