أسرار النفس البشرية           

 المحرر : نوران رضوان


 

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ، وخلق فيه النفس والجسد والروح ... ولكي يستقر الإنسان يجب أن يتم الإشباع الحقيقي لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة و يجب أن يتناسق هذا الإشباع مع بعضه البعض ... هنا يتحقق الاستقرار الحقيقي لهذا الإنسان

النفس والجسد و الروح

يقول الدكتور مصطفى محمود إن علاقة نفس كل منا بروحه و جسده هي أشبه بعلاقة ذرة الحديد بالمجال المغناطيسي ذي القطبين. والذي يحدث للنفس دائما هو حالة استقطاب، إما انجذاب و هبوط إلى الجسد إلى حمأة الواقع و طين الغرائز والشهوات، و هذا هو ما يحدث للنفس الجسدانية الحيوانية حينما تشاكل الطين و تجانس التراب في كثافتها، و إما انجذاب و صعود إلى الروح إلى سماوات المثال و القيم و الأخلاق الربانية، و هو ما يحدث للنفس حينما تشاكل الروح و تجانسها في لطفها و شفافيتها.. و النفس طوال الحياة في حركة و تذبذب و استقطاب بين القطب الروحي و بين القطب الجسدي.. مرة تطغى عليها ناريتها و طينتها، ومرة تغلبها شفافيتها و طهارتها.
والجسد و الروح هما مجال الامتحان والابتلاء، فتبتلى النفس وتمتحن بهاتين القوتين الجاذبتين إلى أسفل و إلى أعلى لتخرج سرها، و تفصح عن حقيقتها و رتبتها و ليظهر خيرها و شرها.
و من هنا نفهم أن حقيقة الإنسان هي نفسه، و الذي يولد و يبعث و يحاسب هو نفسه، و الذي يمتحن و يبتلى هو نفسه، و ما يجري عليه من الأحوال و الأحزان و الأشواق هي نفسه.. أما جسده و روحه فهما مجرد مجال تماما مثل الأرض و السماوات في كونهما مجال حركة بالنسبة للإنسان لإظهار مواهبه و ملكاته.. فكلما أعطى الله لهذه النفس عضلات جسدا كذلك أعطاها روحا لتحيا، و تعمل و تكشف عن سرها و مكنونها و تباشر خيرها وشرها.

ما هية النفس؟

النفس هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة، وهي نور إلهي مركزها في الصدر وأشعتها سارية بواسطة الأعصاب في سائر أنحاء الجسد، وهذه النفس المسجونة في الجسد إنما تتعرّف بما يحيط بها من الأشياء بواسطة الحواس، فمن طريق العين تُبصر، وعن طريق الأذن تسمع وبالأنف تشمّ وبواسطة الجلد تحس وتلمس، وباللسان تذوق طعوم الأشياء.

والنفس  هي المخاطبة دوماً في القرآن، و هي المتهمة في القرآن بالشح و الوسواس و الفجور و الطبيعة الأمارة، فهي يمكن أن تتزكى و تتطهر، فتوصف بأنها لوامة و ملهمة و مطمئنة وراضية و مرضية.)يأيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي( الفجر : 27-30. وهي المكلَّفة بالسير في طريق الحق، وهي التي تتألم عندما تُعالج وتُداوى، وهي التي تتنعّم في الجنان فلا تبغي عنها حولا. وسمِّيت بالنفس لقيمتها النفيسة.

) و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، و كذلك نفصل الآيات و لعلهم يرجعون( الأعراف : 172-174.

فذلك مشهد أحضرت فيه الأنفس قبل أن تلابس أجسادها بالميلاد، و ليس لأحد عذر بأن يكفر بعلة كفر أبيه، فقد كان لكل نفس مشهد مستقل طالعت فيه الربوبية ... و بهذا استقرت حقيقة الربوبية فطرتنا جميعاً.

أوصاف النفس

توصف النفس بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات ، سميت النفس المطمئنة . قال الله تعالى في مثلها )يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( سورة الفجر : 27. وإذا لم يتم سكونها ، ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة ، لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه . قال تعالى ) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ( سورة القيامة : 2، وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، سميت النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى إخباراً عن يوسف  أو امرأة العزيز )وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ( سورة يوسف : 53.

حقوق النفس

 لقد عنى الإسلام عناية فائقة بالنفس الإنسانية ، وجعل الإنسان محل عناية الله دائماً ، فلقد خلق الله الإنسان حيث سواه بيده ونفخ فيه من روحه ، وكرّمه بالعقل ، وجعله خليفة له في أرضه ، وأسجد له ملائكته، وزوده بمنهج يسير على مقتضاه حتى لا يضل ولا يشقى، إلى غير ذلك من نواحي التكريم ، ولقد بيّن القرآن الكريم المهمة الأساسية لوجود الإنسان وهى خلافته في الأرض ،وعمارتها , ولأجل ذلك أوجب حقوقا للنفس  فعليك أن تستوفيها في طاعة الله. وتستعين بالله على ذلك لأداء حق النفس عليك، وأن عليك حقوقاً أهمها أن تستوفيها في مرضاة الله وطاعته، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، وبذلك تنقذها من المخاطر والمهالك، وتنجيها من شر عظيم،  لذلك أقسم القرآن بالنفس وتسويتها فقال الله تعالى  ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(الشمس :7 –8. وأن الله أعطاها  العقل لتميز بين الفجور والتقوى  فمن زكى نفسه فاز ومن لم يزكها خاب وخسر وبين الله أن من آثر الحياة الدنيا ولم يحفظ نفسه ويصونها من العطب وطغى  فمصيره إلى النار , ومن صانها وقام بحقوقها التي أوجبها الله في طاعته فإن الجنة مأواه قال تعالى ) فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى( النازعـات:37-41.

تزكية النفس

)قَدْ أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس : 9-10

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في كيفية تزكية النفس : ليس فقط بالأعمال الصالحة ، وإنما بالأخلاق الكريمة السامية .. إذن تجتمع الأخلاق ويتجمع الدين .. فالحياة منظومة متكاملة.

و كي نزكي أنفسنا يجب أن نتجه إلى الدين بجانبه السلوكي ، وبجانبه الانفعالي ، وبجانبه المعرفي ..

بجانبه السلوكي : هي ثلاث ركعات في المغرب.

لكن بجانبه المعرفي: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). .. فراجع نفسك أيها الإنسان.

بجانبه الانفعالي : ذلك الشوق )رجل معلق قلبه إلى المساجد) .. يشتاق إلى المسجد ..

فيجب أن يتم الإشباع الحقيقي لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة ...

" وإن لنفسك عليك حقا "

ونريد أن نوضح أن هذه العبارة لا يفهم منها أنها حجة للتقصير فهي ليس كما يظنها بعض الناس أن تنام كل الليل ولا تقوم ولو بعضه ، أو أن تتهاون في أداء العبادات والنوافل.. نعم لا تشد عليها أيضا ولكن لا تقصّر في حقها أيضا .. إنه معنىً متكامل ..

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "

إن لم تقدم التغيير فإنك لن تتغير .. تحتاج إلى جهد منك أنت أيها الإنسان ...

المصادر

النفس و الروح ، الدكتور مصطفى محمود

حقوق النفس ، سعد بن عبدالله السبر

نحو نفس مطمئنة واثقة، الدكتور طارق بن علي الحبيب

قصة العالم الربَّاني مع السير بينت الإنكليزي،ابن سيرين، موقع بيت العيلة

 


عدد الزيارات : 414

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • رهان على نفسك

  • مجــــاهدة النفـــــس

  • هدوء السريرة في أيام السكينة

  • هل تحب نفسك كما يجب...؟

  • القيــود الحريريــة

  • قدرات غير محدودة

  • قوة عقلك الباطن

  • أساليب التفكير المسببة للاكتئاب

  • سلوكيات مضادة للاكتئاب

  • بعض النصائح لتنمية ذاتك

  • الثقافة و التعلم

  • اصنع لنفسك شخصية مغناطيسية وجذابة

  • ابن ِ نفسك

  • صفر على الشمال

  • لماذا نعانى من ضغوط الحياة ؟؟؟

  • مش تيجي نبدأ

  • لماذا نعيش في إحباط ؟؟؟؟

  • حكايتي مع السجاير

  • إنهم ... بقر!!!

  • الجنة ليست هنا ... علي تلك الأرض!

  • صالحها

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • ALADDIN     ما شاء الله

    موضوع مهم و يحب نشر معلومات اخري لكي ننتفع بها و لكم الشكر
  • عبد الله     تعليق

    اتمنى لكم التوفيق وخصوصا عندما تدافعون عن الأسلام ولكن هناك ملاحظة وهي خطيرة انصحكم بتعديد مراجعكم وكتابكم لأن الصبغة المصرية الصرفة انما هي قومية بغيضة اتمنى الأ تقعوا فيها ودافعوا عن الأسلام ليس عن مصر فمصر لها الملايين ليدافعوا عنها سواء بالحق او بالباطل ولكن الأسلام من يحتاج الدفاع عنه والموت لأجله
  • نرمين توفيق     رد – نرمين توفيق رئيسة القسم العربي

    شكرا على الملاحظة القيمة أ/ عبدالله واريد ان اخبرك ان هدف الموقع ليس فقط الحديث عن مصر وانما هو موقع كل العرب .. بالاضافة الى ان همنا الاساسي هو الوصول الى الاخر وتعريفه بالصورة الحقيقية للاسلام والمسلمين والعرب جميعا وابواب وموضوعات القسم الانجليزي تؤكد ذلك .. وهذا اتضح من الموقف الايجابي الذي اتخذه القسم العربي بالموقع وقت ازمة المباراة التي وقعت بين دولتين عربيتين شقيقتين وهما مصر والجزائر حيث رفضنا التعصب بكل اشكاله ورفضنا ما قامت به وسائل الاعلام في كلتا الدولتين مؤكدين على ان وحدة الشعوب العربية هي الاهم.. اشكرك مرة ثانية ونسعد باستقبال مزيد من الملاحظات والمشاركات

  • الاسم  
    البريد الالكتروني    
    العنوان   
    التعليق