دروب الوهم والأمل           

 المحرر : سمية محمد بدرى

 

سألتنى متحيرة "أى دروب نسلك صديقتى ؟!!" ، فما وجدت يومها من رد سوى "كل الطرق تودى بكِ إلى هناك.. المهم هو أى مكان هناك تريدين !! ومعه سيختلف الدرب الذى ستسلكين ".

 

حينها أخَذَت نَفَساً عميقاً ثم ذفرته بشدة ومرارة بما يحمله من صعوبة واقع تعيشه وبحثٍ دائم عن بثق نور يأخذ بيدها منه إلى عالم الرحابة والصفاء والاطمئنان .

ثم أسردت فى حزنٍ أليم "ولكن صديقتى .. لقد اختلط الأمر عندى وفقدت كل الطرق معانيها ، فغاب وجهها الحقيقى عنى ومنحنى وجهها الزائف مزيداً من التيه والحيرة ".

 

فتأملت معانى كلماتها وما تحمله الكلمات بين طياتها من ألم عميق وحيرة شديدة وبحث دءوب عن سبيل للخروج ، وتساءلت ما الذى قد يهوى بالإنسان هكذا فيختلط لديه النور بالظلام .الحياة بالموت !!

 

وتفكرت فى حال واقعنا .. تأملت مساراته .. وسبحت مع أحلامه وآلامه فى عالم وكأنه درب من الخيال ، فوجدتنى أجيبها بلغة جديدة ..لغة استنطقتها جوارحى فأبت ثم أصرت فأجبرتها على المواجهة المؤلمة التى قد يجعل الله- سبحانه وتعالى  بمجابهتها الصادقة والمؤلمة أحيانا شفاءً لما يختلج بالصدور

صديقتى ..إنها "حكمة الحياة " .. فتساءلت " وماذا تعنين ؟؟"

أعنى صديقتى أن للحياة سنناً لا تتبدل ولا تتغير .. سنناً متى وجدتيها اقترن حالنا بذاك الذى تصفين وإلا فالنجاة منها هو تعلم حكمة الحياة .. تلك التى تعطينا إياها بعد كل سُنَّة ندركها بذواتنا وتأبى نفوسنا أن تتعلم درسها وتتفهم حكمتها فيتغير دربها .

 

الحقيقة صديقتى أننا نعيش حيرى تُقلبنا ألوانا ًمختلفة بين دروب الوهم والأمل

نمضى فى الحياة فتحملنا موجة الأمل فنركبها نخوض بها بحر الحياة فإذا بصخرة شديدة الصلابة تتحطم عليها كل معانى الأمل الذى تحمله نفوسنا بداخلها .

وتجدين لتلك الصخرة فى كل مرة شكلاً ولوناً مختلفاً عن سابقه .

 

تجديها مرة بلون "الشكليات " التى قد تحملك على الصدق المنيع ، فما تلبث أن تتحطم أسواره على صخرة المواجهة الحقيقية لكوامن الضمير .

 

وتجديها فى أخرى بشكل " الأفكار " التى قد تدفعك إلى البحث فى معانى الحياة فى ظلها ، ولكن ما تلبث أن تتبعثر ذرات كل فكرة فى مكان عندما تحتك واقعيا ً بالحياة ، وعندما تفكرين بعون صاحبها لكِ تجدينه أول من يلوذ بالفرار والهروب .

 

وتجديها فى ثالثة بلون "التشكيلات " التى تتطبع فى كل مرة لها بطابع ، تارة تأخذ الطابع الإسلامى ثم تكتشفى أنها محض توجهات سياسية ، وتارة تنتهج نفس الطابع .. الطابع الإسلامى ولكن سمتها الغالبة السلبية .. فتتساءلين بحسرة "وأنّى يكون لمنهج إسلامى ربانى صادق بتلك السلبية تعالى الله عما يصفون إنما هى الجينات التى تعمل عملها عندما تحتك بصورة حقيقية بواقع الحياة .

 

وتارة تأخذ مزيج الخليطين فتبدو كالمسخ .. لا تملك روح الفاعلية الصادقة وإنما تتأرجح بين الخليطين فيكون نتاجها مجموعة من التشوهات البشرية المصاب بعضها بالشلل الفكرى أحياناً والأخلاقى أحياناً أخرى .

 

وتجديها فى رابعة بلون "الانفصال والانعزال الشديد" الذى يعيشه الفئات المختلفة لهذه الأمة .

انفصال جيل الشباب منهم عن مربيهم ، وجمود المربين عن إخوانهم والكل يحمل للآخر سوط الواقع ، متى واجهته نقطة التقاء أو تحول أو تغيير لهذا الحال رأى فى ذاك السوط الملاذ الوحيد والفعال له فيلوذ به دون أدنى تفكير .

 

وتجديها فى خامسة وسادسة و.. وودروباً أكثر وأضخم من الوهم الكبير .

ويظل لكِ وللكثيرين منا هذا الشعور  "شعور التيه الكبير"

يتقلب حاله بين دورب من الوهم والأمل ، تارة يرفعه درب الأمل إلى حياة روحية عظيمة ، فما يلبث أن يهوى به درب الوهم عندما تتحطم آماله على إحدى تلك الصخور  مُخَلِّفَةً له بقايا هى مجموعة من الآلام ، ولكنه إذا صدقها واستمع إلى الحكمة التى أرسلها الله إليه من خلفها لوجد فيها درباً آخر من الأمل الذى لا يليه وهم أبداً .

الأمل الذى يرجوه فى الله فقط ولا ينتظر من سعى تجاهه سوى خطواته هو، ولا ينظر إلى عرقلات    الواقع وأصحابه، ولا ينتظر دعمهم لأن الحياة لقَّنته دروسها العظيمة فأدرك " حكمة الحياة"  و "حكمة الوجود"  كذلك .

فآمن بأنَّ الغرام بالكلمات يفقد الإنسان فاعليته وتصبح هناك فجوة بين الكلام والعمل ، ويحدث الافتراق بين المبدأ والحياة .

فيعيش الإنسان حالة من الانفصام والجمود ، ويعيش مجتمعه عصراً من "صمت الأفكار الميتة " .

فالمجتمع الذي تعيش فيه عقول خاوية أو محشوة بأفكار ميتة وضمائر خائرة ومجموعة من الروابط المتهدمة لا يستطيع أن يستمر في سيره .

 

وما دمنا نعاني من الازدواجية في السلوك النابعة من الانفصال بين الجانب الاجتماعي والجانب النفسي فلابد لمعالجتها كما ذكر المفكر مالك بن نبى  " أن تكون لدينا فكرة عليا تصل ما بين الروحي والاجتماعي وتجري من جديد تركيب الشخص المسلم بحيث يتماثل مع ذاته، في المسجد وفي الشارع "

 

فالمطلوب إذن من كل فرد وكل أمة تبحث عن تطبيق جاد لـ " حكمة الحياة " ليس هو العلم بالله وإنما "الاتصال بالله " بمفهومه الأوسع والأشمل ، لتتمكن من الاستفادة من تجارب ماضيها فتستعين بها على خوض حاضرها والوثوب بأمل فى الله إلى مستقبلها .

 

 


عدد الزيارات : 217

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • أما آن لموتى القبور أن يستيقظوا؟!!

  • الفرار

  • الجسد

  • العار

  • مباراة متوازنة جداااااااا

  • صدر الحكم يا سادة

  • الطير المهاجر

  • إنا لله وإنا إليه راجعون

  • يا رسول الله

  • خواطر من يوم أكتوبر

  • ترنيـمة الغربــاء

  • التجربة المخيفة _ الجزء الأول

  • التجربة المخيفة _ الجزء الثاني

  • شـــــذرات

  • مع كل رشفة صباحية

  • قصيدة الحب روض بابه الإخلاص

  • صاغها الفؤاد وقالها اللسان

  • رحلة إلى مدينة البالونات

  • الحب الحقيقى

  • أنـــا الفاتــنة

  • أين ذهب مذاق السكر ؟

  • عمر ذات الثالثة عشر عاما يدرس في الجامعة الأمريكية

  • قصيدة مثل أسلافهم

  • ذكرى موت القلوب

  • قصيدة إلى متى ؟؟

  • شاب عراقي يحل لغز أرقام برنولى

  • الـــــغــــراب

  • في موقف الأتوبيس

  • إرادة حديدية

  • القرش

  • تخيل

  • مستشفى 57357

  • امسك العصابة

  • ياريتنى أكون

  • الإرهابي

  • آه يا قلبي

  • هذه هي همة الصغار ... فأين منها همة الكبار؟

  • انا هى تلك الفتاة

  • ما زالوا يطرقون ابوابنا

  • مصر هتتغير بأيدينا.. تجربة رائعة لمواطنة مصرية

  • رجب و موسوعة جينيس

  • وصل صوتك مهما كانت الضغوط

  • رمضان بالمغرب

  • بأي جديد جئت يا عيد!!

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • نوران     رأيت المسلمين ولم أرى الإسلام

    ليس هناك اجمل من تلك الحكمة " أن تكون لدينا فكرة عليا تصل ما بين الروحي والاجتماعي وتجري من جديد تركيب الشخص المسلم بحيث يتماثل مع ذاته، في المسجد وفي الشارع " و اتذكر قول الشيخ محمد عبده حينما رأى الغرب وأُعجب به وقال كلمته المشهورة : ( رأيت الإسلام ولم أرى المسلمين ) وقال في بلاد العرب : ( رأيت المسلمين ولم أرى الإسلام ) . فمتى نرى المسلملين فى بلد الاسلام؟

  • الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق