مراجعات ذاتــــيـــــة           

 المحرر : سمية محمد بدرى

 

إنّ الإسلام كحركة تاريخية كبرى، غيّرت وجه التاريخ الإنساني بكافة مستوياته السياسية منها والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كذلك ، لم يكن هدفه التغيير فحسب  وإنما كان التغيير هو  "الإسلام" .

فالإسلام منذ اليوم الأول لظهوره كان حركة تغييرية بدءاً من قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) .

فهذه السورة أقرّت بأن علم الله وعلم البشر يجب أن يكون بالقلم (الفكر) وليس بالسيف.

أى أنّ التغيير على الأرض هو من صنع الإنسان بالدرجة الأولى، ودور الله في صنع التاريخ يأتي بعد دور الإنسان( ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًۭا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌۭ).. الأنفال آية 53

لذا فلابد للتغيير أن يبدأ من إيمان الإنسان ذاته أولا بالتغيير وبدون هذا الإيمان لن يتم التغيير ( يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به)) .. الأحقاف ، أية  21)

إنّ لكل من الجهاد والتغيير معناً مشتركاً ، فكلاهما يحمل بين طياته جزءاً أصغر وآخر أكبر ، بمعنى أنّ هناك تغيير أصغر وتغيير أكبر، فأما التغيير الأصغر فيبدأ حين تبدأ تزكية النفس البشرية؛ أي تطهيرها بالإيمان وهذا هو التغيير الأصغر. وعندما تتطهر النفس تصبح قابلة للتغيير الأكبر وهو تغيير المجتمع كله. يقول عزَّ وجل: (قد أفلح من زكّاها) ( الشمس، آية 9). ويقول (قد أفلح من تزكّى) (الأعلى، أية 14) ، والفلاح هنا هو نجاح قيام التغيير الأكبر الذي يتبع التغيير الأصغر وهو التزكية .

ولا يتم للإنسان ذلك التغيير الأصغر إلا إذا غيّر بداية قناعاته وأفكاره ومنهاج حياته ( إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) .. الرعد، آية  11 .

فهو سبحانه" يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم . فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى , ولا يغير عزا أو ذلة , ولا يغير مكانة أو مهانة . . . إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم , فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم . وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون ، ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم , ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم.

وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة ; فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته , أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر ; وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم . والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل . وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة

الله , أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه " (1)

"وقال ابن أبي حاتم: "أوحى اللّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة اللّه فيتحولون منها إلى معصية اللّه إلا حوّل اللّه عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون"، ثم قال: إن تصديق ذلك في كتاب اللّه: (إن اللّه لا يغير ما  .بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) "(2)

وليس معنى الآية" أنه لن ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب , بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير ; كما قال صلى الله عليه وسلم : وقد ( سئل أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث )" (3).

وفي التاريخ وعلم الاجتماع دائماً كان الأنبياء والمصلحون الاجتماعيون يتميزون عن المجتمع الذي أصلحوه وغيروه ، وهذا الشرط الأول للتغيير ، وهو نفسه تغيير الأنفس ليغير الله حال القوم .

والذين يبدأون بتغيير أنفسهم كي يتميزوا عن المجتمع سمّاهم الأستاذ محمد قطب ( القاعدة الصلبة ) التي تحمل العمارة ( المجتمع ) .

أما الملاحظ اليوم بأن التغيير مازال بعيداً ، لأن الداعون إلى التغيير لايتميزون عن بقية المجتمع عملياً، فمثل هذه القاعدة ليست بالصلبة ، ومن ثمّ لاتستحق التغيير الذي يأتي به الله .

فأما القاعدة الصلبة تلك فهى التى تؤمن حق الإيمان بقوله تعالى :

" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور". الحديد: ٢٠

وهؤلاء الأفراد الذين همهم في الآخرة ، لايتصادمون ، وإنما يتصادم أهل الدنيا ، كما سبق وشبههم الأستاذ "محمد قطب" بــــــ" كائنات بشرية" برزت لهم نتوءات من الأمام والخلف ومن الجانبين كذلك ، ولهذا السبب يصتدمون بالناس الآخرين في الشارع ، لأن كل فرد منهم صار محتاجاً لشارع وحده ؛ كي لا يصطدم بالآخرين .

 

(1)              فى ظلال القرآن .

(2)              تفسير ابن كثير .

(3)              تفسير القرطبى .

 


عدد الزيارات : 278

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة_الدين المعاملة

  • جدد نيتك

  • رســالة من الحيـاة

  • زهقان مضايق

  • قاوم نفسك

  • مواعيدك تمام ولا…!!!

  • وشاورهم في الأمر

  • الحياء خلق الإسلام

  • التكافل ضرورة شرعية

  • العدل أساس الملك

  • تهادوا ... تحابوا

  • اللى خلقك مش حينساك.....

  • دعوة للحب بس بشرط

  • رحلة حب

  • الرفق أساس الحياة

  • أحسن ظنك ...يطمئن قلبك

  • عقيدة الروح

  • غربة رسالة

  • دعوة للحياة فى ظلال القرآن

  • الحلم سيد الأخلاق

  • الرضا...جنة الدنيا

  • وما صبرك إلا بالله

  • أقـــــوال أعجبتني

  • متعة العطاء

  • بين ظلمة اليأس ...ونور الأمل

  • المفتاح السحري

  • السفور رذيلة

  • لمن يبغى النجاح

  • اشمعنى أناااا؟؟؟؟

  • معاً على خطى الحبيب

  • ابدأ بنفسك

  • مناجاة القلوب

  • إنها قصة حبي

  • اقرأ ..... نعم أنا بقارئ

  • أيوة طبعاً حسنة و أنا سيدك

  • وأقبل الضيف..

  • متطوعة في التأمين الصحي

  • من الفائز؟

  • وبالوالدين إحسانا

  • شريك حياتي

  • خلاف أم اختلاف

  • تربية الأبناء

  • إنما الأعمال بالنيات

  • ثقافة الاختلاف

  • كن قدوة _ حوار طفل مع أسرته

  • هكذا يجب أن يكون دعاؤنا

  • وفى المنع حكمة

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق