ذكرى موت القلوب           

 المحرر : سمية محمد بدرى

 

فى ذكرى موت القلوب ، وآلام تدغدغ أكباد بريئة لا يشعرها وألمها سوى رب رحيم ومن دونه موتى القلوب .

تحملنى أحداث تلك الذكرى المؤلمة إلى أعوام قد مضت على قصتى عن حياة أحدهم – القابع حول أسوار الحصار الوطنى – وما يعاني من آلام لا يتجرع مرارة ذلها سواه .

فأسرعت بقلبى نحو قصتى  أتذكر ذكراها المؤلمة وما تجدد من أحاسيس ومشاعر .. وبرغم حداثة سنى وقتها فلم يحرمنى ذلك صدق القلم وإن فاحت منه رائحة البراءة والطهر والتلقائية النقية فى وصف لحظات انتهاك الحرمات الوطنية  .

وما أن بدأت بقراءة أسطرها حتى انتفض كيانى وأحسست ظلام داخلى يخيم على أجواء ذاتى ، وصوت آنات قلب وحسرات جوارح على ما انتاب كل منا وما آلت إليه أحوال ذواتنا ، وما صار إليه ضمير وقلب كل منا .

لم يعد فينا سوى رماداً وهشيماً خلفته مرارة الأيام ، واحتكاك القلوب الجافة التى نسيت أو تناست معالمها الإنسانية ، وما يُحملها من واجب تجاه ذاتها أولاً وتجاه أخوة الإنسانية تباعاً.

إخوة من بقايا حطامية لأمة زاغت خطواتها عن واقع الحياة .

فانشطرت  قلوب  أناسها إلى شطرين ، أولى شطريها كان ذلك القلب اليائس من كل معنى ومفهوم للجدية قد يحمله لثوانى على لحظة صدق من الداخل ..تقلبه دروب وتجتذبه دروب وهو يمضى إلى حيث اللا نهاية لا يملك إلا دموع البكاء على ما كان لمجد أمة يرتقب عودتها .

والشطر الآخر كان ذاك القلب الحالم  لا يمضى إلا حيث وجد غايته وغاية قلبه ، يعيش حلمه الواسع الآفاق فى أرض جدباء ، يأمل بلقاء النبع الذى سيروى طريق صحراءه الجدباء فيكسوها رداءاً من الخضرة والنضارة والفعالية التى يرى معها الأمل البعيد والحلم المخملى واقعاً تدب الحياة بشتى أرجاءه .

وقبل محطة اللقاء بذاك النبع الذى سيسقى أرضه ، يصير هو وشقيقه فى الواقع سواء .. يترنحان فى أجواء التيه الداخلى بين رضاً واستسلام لواقع اليأس ، وبين مخملية حلم لم ينسج الواقع خيوطه بعد .

والحقيقة أن كلا الشطرين انغمس فى الحلقة الخارجية لحياته ولحلمه المجتمعى ، ولم يفكر فى أعماقه الداخلية ، وما قد تحمله من فطريات تكون   أحد مسببات ذلك العرض المرضى لتلك الأمة الوهمية .

ولكنها ثقافة الهروب .. وما تحمل من مشاعل لكل درب من دروب التيه .

قد يبدو أحد تلك الدروب لأول وهلة أنه ليس بمهرب ، لكنه كذلك ..فمنا من يهرب من عالم الخاص وأجوائه إلى فضاء العالم الخارجى الفسيح ، ومنا من يهرب من عالمه الخارجى الواسع إلى ضيق المساحات الداخلية الخاصة ، ولأن الجميع ينتهج نفس المسار .. مسار الهروب بمفهومه المتلون ، فلا  يخطو عالمنا الخارجى خطوة نحو أملنا المرتقب ، ولا تتلون أجوائنا الذاتية بحالة رضا رغم ادعائنا بذلك ..

ولا نتذكر من عالمنا إلا ما يصرخ به واقع الأيام .. فإذا صرخت الأيام بذل الاستيطان والغزو .. انتفضت دواخلنا وثارت جوارحنا تنادى بـ كلمات عن معانى الإنسانية .. فقط هى الكلمات من نستطيع تطويعها وفق ما نتألم ، ووحدها الدموع تكون رفيق خطوتنا بالرغم من كونها أجدى أن تسيل أسفاً على دواخل ذواتنا .

فتلك الدموع نفسها  أحق أن تتدفق على جبين الخليط السحرى الذى يملأ نفوسنا بالازدواجية ، ويتوج حياتنا بالتيه .

ويبقى واقع حال كل منا ردة فعل على ما يمليه عليه صراخ عالمه الخارجى .. فهو جاهل بكل خيوط اللعبة الداخلية لذاته فضلاً عن جدية خطواته تجاه عالمه المجتمعى .

وتظل تلك الحلقات المفرغة واللانهائية فى نسج خيوطها حول نفوسنا حتى نتوه منها إليها ، فتتوه منا الأهداف وسط رحلة التيه العميق.

ونعيش سلسلة الهروب بكل مراحلها ، فتُنسينا الغاية التى كان من أجلها كل هذا التيه ، ويصبح لأمل الجيل المرتقب وقع السراب فكيف لمن يغرق فى مستنقع ذاته ، أن يكون المُنقذ فى محيط الإنسانية .

إذ لم يدق الناقوس الداخلى لكل منا  بعد كل تلك الصراخات الواقعية بخطر الذوبان فى بحار التيه والذل ، فلنحتفل ولتحتفل الإنسانية جمعاء معنا  بـ ذكرى موت القلوب .


عدد الزيارات : 212

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • أما آن لموتى القبور أن يستيقظوا؟!!

  • الفرار

  • الجسد

  • العار

  • مباراة متوازنة جداااااااا

  • صدر الحكم يا سادة

  • الطير المهاجر

  • إنا لله وإنا إليه راجعون

  • يا رسول الله

  • خواطر من يوم أكتوبر

  • ترنيـمة الغربــاء

  • التجربة المخيفة _ الجزء الأول

  • التجربة المخيفة _ الجزء الثاني

  • دروب الوهم والأمل

  • شـــــذرات

  • مع كل رشفة صباحية

  • قصيدة الحب روض بابه الإخلاص

  • صاغها الفؤاد وقالها اللسان

  • رحلة إلى مدينة البالونات

  • الحب الحقيقى

  • أنـــا الفاتــنة

  • أين ذهب مذاق السكر ؟

  • عمر ذات الثالثة عشر عاما يدرس في الجامعة الأمريكية

  • قصيدة مثل أسلافهم

  • قصيدة إلى متى ؟؟

  • شاب عراقي يحل لغز أرقام برنولى

  • الـــــغــــراب

  • في موقف الأتوبيس

  • إرادة حديدية

  • القرش

  • تخيل

  • مستشفى 57357

  • امسك العصابة

  • ياريتنى أكون

  • الإرهابي

  • آه يا قلبي

  • هذه هي همة الصغار ... فأين منها همة الكبار؟

  • انا هى تلك الفتاة

  • ما زالوا يطرقون ابوابنا

  • مصر هتتغير بأيدينا.. تجربة رائعة لمواطنة مصرية

  • رجب و موسوعة جينيس

  • وصل صوتك مهما كانت الضغوط

  • رمضان بالمغرب

  • بأي جديد جئت يا عيد!!

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق