إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له, و من يضلل فلا هادى له.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُون) ,,,,آل عمران (102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ,,, النساء (1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ) ,,, الأحزاب
عباد الله ..إن الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله لكم و بعث به خاتم النبيين محمد, صلى الله عليه و سلم, إنه لدين الوفاء, دين الأمانة,دين العدل, دين البر, دين الصلة, قال الله عز و جل (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ) الإسراء34 .
و قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .. المائدة: 1
و قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون) .......المائدة :27
و قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا ).....أي لا يحمنلكم بغض قوم على عدم العدل ..... ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة :8
و قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ..... التوبة:119
و قال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) ....... النساء: 36
و قال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) ) الرعد: 21
و إن دين الإسلام كما يأمر بالأخلاق الفاضلة و الآداب العادلة , فإنه يحارب الغدر و الخيانة والجور و الكذب و العقوق و القطيعة, قال النبي , صلى الله علية و سلم, محذرا من الأخلاق السيئة:" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, و من كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان, وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, و إذا خاصم فجر."
و قال صلى الله علية و سلم :" ألا أنبكم بأكبر الكبائر , قلنا : بلى يا رسول الله , قال: الإشراك بالله و عقوق الوالدين."
وقال صلى الله علية و سلم: لا يدخل الجنة قاطع. يعنى قاطع رحم.
فالإسلام دين الفضيلة و دين الأخلاق, أنة يحارب الرذيلة.
عباد الله, إن الوفاء بالعهد من أخلاق الإسلام الفاضلة التي أمر الله بها وحث عليها و مدح عليها, و إن الغدر و الخيانة من الأخلاق الذميمة التي حرمتها الشرائع و تنفر منها الطبائع, و إن من أعظم الغدر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, و ليست النفس المحرمة هي نفس المؤمن فقط ,, بل النفوس التي حرمها الله عز و جل, و حرم قتلها , أربع نفوس: نفس المسلم, و نفس الكافر الذمي, و نفس الكافر المعاهد, و نفس الكافر المستأمن.
هذه أنفس كلها محرمة , و كلها حرام كما سنذكره إن شاء الله,
أما نفس المسلم: فظاهر حرمتها كل إنسان و هو من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام, فمن أظهر لنا إسلامه فنفسه محرمة و إن عمل ما عمل من المعاصي التي لم يدل القرآن و السنة على إنها تبيح قتله.
و أما الذمي و المعاهد: فقد ثبت عن النبي صلى الله علية و سلم, أنه قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة , وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما." رواه البخاري في صحيحه.
وروى البخاري أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ".
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة. أخرجه البخاري أيضا.
و لقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما أن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة و إن المعاهد دمه حرام و سفكه من كبائر الذنوب, لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن من قتلة لم يرح رائحة الجنة, و كل ذنب توعد الله عليه في كتابه أو رسوله في سنته فإنه من كبائر الذنوب.
و أما المستأمن: فقد قال الله عز و جل في كتابه (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة) أي : اجعله في حماية منك حتى يبلغ المكان الآمن في بلده.
و في صحيح البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين, ولا يقبل منة صرف ولا عدل ".
و معنى الحديث: أن الإنسان المسلم إذا أمن إنسانا و جعله في عهدة فإن ذمته ذمة للمسلمين جميعا من أخفرها و غدر بها الذي أعطى الأمان من مسلم فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين و إننا لنلعن من لعنة الله و رسوله و الملائكة و إنه لا يقبل منة صرف ولا عدل.
و في صحيح البخاري أن أم هانىء بنت أبى طالب, رضي الله عنها, أتت النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة فسألت عليه, فقال : من هذه ؟, فقالت يا رسول الله زعم ابن أمي علي تعنى- على بن أبى طالب- أنه قاتل رجلا قد أجرته, فقال النبي صلى الله عليه و سلم ,: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء, فأجاز النبي صلى الله علية و سلم أمان المرأة و جعل أمانها عاصما لدم المشرك, و على هذا فمن كان عندنا من الكفار بأمان فهو محترم, محرم الدم, و بذلك نعرف خطأ عمليات التفجير التي و قعت في مكان آهل بالسكان المعصومين في دمائهم و أموالهم, و هذه العمليات التي ينتج عنها قتل و إصابة للأطفال و الشيوخ و النساء و الشباب, و تلف أموال و مساكن كثيرة, لاشك لا يقرها شرع ولا عقل ولا فطرة.
أما الشرع فقد استمعت إلى النصوص النبوية و القرآنية الدالة على وجوب احترام المسلمين في دمائهم و أموالهم, و كذلك الكفار الذين لهم ذمة أوعهد أو أمان, و أن احترام هؤلاء المعاهدين و المستأمنين و الذميين احترامهم من محاسن الدين الإسلامي, إن العهد كان مسئولا.
و أما العقل فلأن الإنسان العاقل لن يتصرف أبدا في شيء محرم لأنه يعلم سوء النتيجة و العاقبة, و إن الإنسان العاقل لن يتصرف في شىء مباح حتى يتبين له ما نتيجته, و ماذا يترتب عليه, و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم قال : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. فجعل النبي من مقتضيات الإيمان و كماله أن لا يقول الإنسان إلا خيرا أو ليصمت.
فكذلك يقال: إن من مقتضيات الإيمان و كماله أن لا يفعل الإنسان ألا خيرا أو ليمسك, و لا شك أن هذه الفعلة الشنيعة يترتب عليها من المفاسد ما سنذكر ما تيسر منه إن شاء الله
و أما مخالفة هذه الفعلة الشنيعة للفطرة , فإن كل ذي فطرة سليمة يكره العدوان على الغير و يراه من المنكر, فما ذنب المصابين بهذا الحادث من المسلمين؟! ما ذنب الآمنين ؟!
ما ذنب المصابين و القتلى من المعاهدين و المستأمنين ؟!.
ما ذنب الأطفال و الشيوخ و العجائز؟!.
أما المفاسد :
فأولا: أنه معصية لله و رسوله و انتهاك لحرمات الله و تعرض للعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين, وأن لا يقبل من فاعله صرف ولا عدل.
ثانيا: من مفاسده تشويه سمعة الإسلام, فإن أعداء الإسلام سوف يستغلون مثل هذا الحدث بتشويه سمعة الإسلام و تنفير الناس عنه مع أن الإسلام بريء من ذلك, فأخلاق الإسلام صدق و بر ووفاء, و الدين الإسلامي يحذر من هذا و أمثاله أشد التحذير.
ثالثا: من مفاسده أن الأصابع في الداخل و الخارج سوف تشير إلى أن هذا من صنع الملتزمين بالإسلام
مع أننا نعلم علم اليقين أن الملتزمين بشريعة الله حقيقة لن يقبلوا مثل هذا, و لن يرضوا به أبدا, بل يتبرءون منه و ينكرونه أعظم إنكار لان الملتزمين بدين الله حقيقة هم الذين يقومون بدين الله على ما يريد الله لا على ما تهواه نفوسهم و يملى عليهم ذوقهم المبنى على العاطفة الهوجاء و المنهج المنحرف و هذا- أعنى الالتزام الموافق للشريعة- كثير في شبابنا و لله الحمد.
رابعا: من مفاسده أن كثيرا من العامة و الجاهلين بحقيقة الالتزام بدين الله سوف ينظرون إلى كثير من الملتزمين نظرة عداء و تخوف و حذر و تحذير كما سمعنا عن بعض جهال العوام من تحذير أبنائهم من الالتزام .
خامسا: من مفاسده – أعنى التفجيرات- أنها توجب الفوضى في البلاد .و ما يحدث عن ذلك من تلف النفوس و الأموال.
هل الضمير لا يتحرك لمثل هذه الفواجع؟ ولا أدري ماذا يراد من مثل هذه الفعلة, أيراد الإصلاح؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فالإصلاح لا يأت بمثل هذا, إن السيئة لا تأتى بحسنة و لن تكون الوسائل السيئة طرقا للإصلاح أبدا, فكيف يطهر القذر بما هو أقذر منه.
خطبة لفضيلة الشيخ العلامة:
محمد الصالح العثيمين
عن حرمة النفس و الإفساد بالأرض و ترويع الآمنين
ألقاها في 12/2/1417