ادعاءات الغرب بالنسبة للحجاب الشرعي           

 المحرر : فاطمة داوود

الحجاب الشرعي تخلف

  يقول الغرب حين يتحدثون عن ثياب "المرأة العصرية" مقارنة بالحجاب والنقاب يهاجم البعض الإسلام لأنه يمثل – من وجهة نظرهم – "تخلفا" وعودة إلى الوراء لأكثر من 1400 عام. أو باختصار هم يصفون المسلمين بأنهم رجعيون، والغربيين بأنهم متقدمون.

 ولكن من الأكثر رجعية؟ التقدم يعني أن نسير إلى الأمام (أو في المقدمة)، فيما تعني الرجعية العودة إلى الخلف (أو السير في المؤخرة).

السمة المميزة بين الزيين الغربي والإسلامي هي مدى ستر أو كشف جسد المرأة. تتسم الثياب الغربية غالبا بوصف جسد المرأة أو كشف أجزاء منه، بينما تتسم الملابس الإسلامية بستر جسدها من الشعر إلى القدمين (مع جواز الكشف عن الوجه والكفين)، وينطبق الزى الإسلامي على كل ما لا يشف ولا يصف من الثياب.

ويقدر بعض العلماء عمر الإنسان على كوكب الأرض بملايين السنين، وقدره البعض بنحو 30 مليون سنة. كان الإنسان في بداياته الأولى على هذا الكوكب عاريا، وقد حاول ستر جسده بأوراق الشجر، وبمرور الوقت ومع تطور الحضارة الإنسانية، بدأ الإنسان في تغطية جسده شيئا فشيء. وستر الجسد هو الأحدث (تاريخيا) مقارنة بالعري الذي يعود إلى ملايين السنين، وكان ستر الجسد من خلال ارتداء الثياب مواكبا للتحضر ولإدراك الإنسان لتأثير جسده (وخاصة جسد الإناث) وليس العكس.

والسؤال هنا: من هو الأكثر رجعية؟ هل هو الذي يعود إلى 1400 عام، أم الذي يعود إلى 30 مليون سنة؟ اعتقد أن الذي يعود إلى ملايين السنين أو يكون أكثر قربا مما كانت عليه الصورة وقتها (من عراء للجسد) هو الأكثر رجعية. هذا لو اعتبرنا أن المقياس الصحيح هو الزمن، وفقا لما يستخدمه الكثير من منتقدو "رجعية" المسلمين، أو بتعبير أدق رجعية الأصوليين الذين يعودون إلى أصل الدين.

أما إذا كان المقياس هو مدى الحرية، فإننا إذا ما رجعنا إلى ما قبل الإسلام، فسنجد أن بنات سادة العرب، كن يرتدين ثيابا تستر أجسادهن بشكل كبير إذا ما قورنت بثياب الجواري اللاتي يستخدمن في تجارة الجنس، فالأخريات كن بحاجة إلى إبراز مفاتن أجسادهن، لحكمة، وهي أن تلك الأجساد تعرض على أنها بضاعة بحاجة إلى الترويج، وجذب للزبائن. أما بنات السادة فأجسادهن ليست متاحة للبيع، وبالتالي ليس من الحكمة عرضها، كما أنهن يجب أن يتميزن عن الجواري حتى يعرف الجميع أنهن من الأحرار.

وتعرية الجسد بهدف العرض للتجارة به، لازالت موجودة في عصرنا الحديث. ويمكن أن نرى في تركيا وفي الدول الغربية فترينات بها نساء عاريات يعرضن أجسادهن لجذب الزبائن الراغبين في الاستمتاع مقابل النقود. وفي واقع الأمر أن المرأة التي تعمل في تلك المحال، ليس لديها الحرية في تغطية جسدها خلال ساعات العمل، أي أن حريتها تكون مقيدة خلال تلك الفترة. وحين يأتي الوقت الذي يفك القيد عن حريتها فإنها تعود لترتدي ثيابها من جديد، وتستر جسدها مرة أخرى.

إذن تعرية الجسد أو كشف أجزاء منه ليست معبرة عن الحرية والحضارة والتقدم بالضرورة، وتغطية الجسد ليست قيدا للحرية كما يصور البعض. وتجارة "الرقيق الأبيض" في عصرنا هذا دليل آخر - أكثر حداثة ووضوحا - على
إ
نه حين تقيد حرية المرأة فعليا، تكون أكثر عرضة للتعرية، وأول شي ينتهك هو حرمة جسدها وحقها في الحفاظ عليه.

هذا كله ليس المقصود به توجيه إهانة إلى النساء اللاتي يرتدين ثيابا غربية، أو
أ
نه محاولة لوصفهن بأنهن رجعيات أو لسن أحرارا (كما فعل بعضهن مع المسلمات المحجبات). لكن المقصود، أن وصف المسلمات بأنهن رجعيات لأنهن يرتدين ثيابا مصدرها تعاليم دينهن الذي نزل قبل 1400 عام، هو وصف غير صحيح، وإذا استخدمنا ذات المقياس (المدة الزمنية) سيصبح الثياب الغربي أكثر تخلفا ورجعية لأنه يرجع بنا إلى ملايين السنين إلى الوراء.

وإذا كان مقياس تحرير المرأة هو مدى ما تعريه من جسدها، فان هذا المقياس هو أكثر خطئا،
لأ
ن التعري كان سمة الجواري، والفتيات اللاتي تم استعبادهن كـ"رقيق ابيض" في عصرنا الحديث، إضافة إلى بائعات الهوى اللاتي يعرضن في فترينات وأجسادهن متاحة للإيجار في مقابل المال.

الأفضل أن تكون النظرة المتبادلة أكثر احتراما لحقوق وحرية الآخر، فالمرأة المسلمة اختارت أن تلتزم بتعاليم دينها، وسيحدث هذا حتى لو مر على نزول الإسلام 1400 مليون سنة، وليس عدة قرون. والمرأة الغربية حرة وغير ملتزمة بتعاليم ديننا، لأنها من الأساس لم تؤمن به. والمبادئ والقيم وكذلك التعاليم الدينية لا يجب أن تقاس بالفترات الزمنية، ل
أن من يقيس بهذه الطريقة يوجهه إهانة للأديان الأخرى، وليس إلى الإسلام الذي يعد أحدثها، فمثلا، نحن لا نقبل أن يهان الدين المسيحي لأنه نزل قبل 2000 عام، واليهودية التي أتت من قبل أكثر من 3000 عام.

 المسلمون الرجال هم الذين يفرضون على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب

 و يعتقد الغربيون أن المسلمين الرجال هم الذين يفرضون على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب وطبقا لهذا الافتراء فإن حجاب المرأة المسلمة بالنسبة لهم دليل على خضوع المرأة للرجل حيث يدعون أن المرأة المسلمة تابعة للرجل وترتدي الحجاب لتتوارى وراءه فلا يكون لها ظهور ولا وجود إلى جوار الرجل بل تعيش في الخفاء وراء حجاب فرضه الرجال المسلمون عليها ليحجبوها عن المدنية الحديثة وعن العمل وعن المشاركة الفعالة في المجتمع ونرد عليهم بأن:

الإسلام لم يمنع المرأة من المشاركة الفعالة في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية، ولم يفرض الإسلام على المرأة الانحباس في البيت وعدم استقبالها لضيوف زوجها من الرجال في حضور زوجها في بيتهما وعدم خروجها إلى الاجتماعات العامة وعدم العمل خارج بيتها. فكل ذلك يعتبر من الافتراءات لأن المرأة المسلمة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تستقبل ضيوف زوجها في بيتهما وتشارك زوجها في مجلسه وتستقبل ضيوفه وتضيفهم وتشاركهم الطعام. ونذكر هنا ما جاء في البخاري ومسلم أن أبو أسيد الساعدي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لحضور عرسه، فما صنع لهم طعاما ولا قرب إليهم إلا امرأته أم أسيد فكانت خادمتهم يومئذ، وهي العروس. بلت تمرات في تور (إناء) فلما فرغ النبي ( (صلى الله عليه وسلم - من الطعام أماثته (أذابته) له فسقته، تتحفه (تخصه) بذلك. هكذا كانت العروس تستقبل ضيوف زوجها وتضيفهم بنفسها وبيديها ومنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كما أن المرأة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تخرج لاجتماعات عامة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حيث يدعو إليها مؤذن الرسول بلال – رضي الله عنه، كما كانت النساء يذهبن إلى مسجد الرسول للصلاة ورائه ولسماع دروسه وخطبه الدينية وما ينزل عليه من وحي. كما طالبت النساء الرسول الكريم بدروس خاصة بهن في المسجد لأن الرجال يغلبوهن عليه في المسجد فاستجاب الرسول الكريم لذلك. وهذا معناه أن النساء كن يحضرن دروس الرسول العامة في المسجد إلى جانب الرجال ولكن نظرا لكثرة عدد الرجال كانت النساء المسلمات لا يتمكن من توجيه الأسئلة إلى الرسول مباشرة لذا طالبن بتخصيص دروس لهن وحدهن، بينما فسر الفقهاء ذلك بضرورة فصل الرجال عن النساء في الدروس العامة في حين كانت النساء في عهد الرسول يصلين في نفس صحن المسجد خلف الرجال لم يكن هناك ما يسمي حاليا بالسندرة أو بالحرملك فكل ذلك اختراعات وبدع لم تكن موجودة في عهد الرسول الكريم في المدينة المنورة.

كما كانت المرأة تشارك في الغزوات وتصاحب زوجها أو أباها أو أخاها في رحلات الحج والعمرة وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج في أي غزوة أو رحلة حج دون النساء ودون أن يصطحب معه إحدى زوجاته. ولدينا الكثير من الأحاديث الشريفة ومن القرائن الثابتة في السنة النبوية الشريفة تؤكد تمتع المرأة المسلمة في عهد الرسول الكريم بحقوقها السياسية والاجتماعية وبعلو شأنها وباحترام رأيها والأخذ بمشورتها وبرؤيتها للأمور، حيث أن منظور المرأة للدنيا وللعالم يختلف عن منظور الرجل ويكفي للاستشهاد على ذلك باحترام الرسول الكريم لرأي زوجته أم سلمة عام صلح الحديبية ونصيحتها المشهورة له والتي أخذ بها ونفذها بحذافيرها بأن يخرج لأصحابه الرافضين لبنود صلح الحديبية ويبدأ بحلق شعره وذبح ذبيحته فيحذون حذوه. وفي هذا المثال دليلان على مكانة المرأة المسلمة في عصر الإسلام وتمتعها بحقوقها الدليل الأول حقها في إبداء الرأي والنصيحة والدليل الثاني حقها في الخروج ومصاحبة الزوج حتى في الغزوات الحربية.

كذلك اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة كما اشتركت أيضا في الهجرة إلى المدينة المنورة كما خرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنشر الإسلام بالرغم من أنها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح. فقد ذكرت كتب السنة أن امرأة مسلمة شاركت ببسالة في الدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في معركة أحد بعد أن فر كثير من الرجال وكانت هذه المرأة وتدعى نسيبة بنت كعب أو أم عمارة تقاتل وهي مشمرة قد ربطت ثوبها على وسطها تقاتل دون رسول الله وتتصدى لابن قميئة الذي اندفع نحو الرسول ليطعنه ولكن أم عمارة تلقت الطعنة في كتفها ورآها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنادى على أحد الفارين كي يعطيها ترسه لتحتمي به وقال لها في إعجاب "من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة."

وأما الافتراء والادعاء بأن الحجاب رمز لخضوع المرأة المسلمة وأن الرجل هو الذي فرض الحجاب عليها لعزلها عن الحياة الاجتماعية فنجيب عليهم بأن الحجاب أمر من الله عز وجل نزل واضحا وجليا في آيتين كريمتين هما: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..." (سورة النور، الآية 31) و"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلال
بيب
هن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" (سورة الأحزاب، الآية 59). فالمرأة المسلمة ترتدي الحجاب طوعا وامتثالا لأمر الله ولأمر رسوله الكريم وليس خضوعا للرجال كما يتوهم الغربيون.

وكلنا نعرف مدى تعسف بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا التي شنت حملة شعواء على الحجاب الإسلامي وأصدرت مؤخرا قانونا تم التصويت عليه في البرلمان الفرنسي وحصل على أغلبية ساحقة بمنع التلاميذ من ارتداء الرموز الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية الفرنسية , وبالرغم من كل الاعتراضات من جميع أنحاء العالم ضد هذا القانون، إلا أن هذا القانون تم تطبيقه في فرنسا منذ العام الدراسي 2004. ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذا القانون الفرنسي ومدى مشروعيته فليس هذا موضوع بحثنا ولكننا نريد أن نؤكد على أن هذا القانون لا يتعرض للطالبات في الجامعات الفرنسية اللواتي لهن الحق في ارتداء الحجاب في الجامعات الفرنسية الحكومية ولكن القضية قضية التعليم الإلزامي الذي تريده فرنسا علمانيا لجميع التلاميذ والتلميذات بدون تفرقة بسبب المعتقدات الدينية.

وفي الواقع
أن الفرنسيين أعطوا لقضية الحجاب الإسلامي بعدا سياسيا واعتبروه رمزا من الرموز الدينية وقرروا أنه رمزا لخضوع المرأة المسلمة للرجل، بينما الحقيقة أن الحجاب الإسلامي ليس رمزا دينيا ولكنه فرض من فرائض الدين الإسلامي على المرأة المسلمة، أي انه أمر يتعلق بالعقيدة الدينية ويندرج تحت حق التعبير عن الرأي وممارسة العقيدة الدينية وليس تحت بند الرموز الدينية. ومن المعروف في القانون الدولي أن حق التعبير عن الرأي من الحقوق الأساسية المذكورة في دساتير جميع الدول الأوروبية وفي الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وهذا القانون الفرنسي يعد خرقا للمادتين 18 و 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتين تنصان على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي حرية ممارسة عقيدته الدينية
.


عدد الزيارات : 322

Share

مقالات ذات صلة :
  • جهاد أم إرهاب؟؟؟؟؟!!!

  • دعوة للتعايش أم دعوة للتعادي؟؟؟

  • أقوال وأفعال و اعتقادات و ألفاظ و مفاهيم خطأ يجب تصحيحها

  • أمثال و كلام يخالف صحيح الإسلام

  • هل الغدر و الإرهاب إصلاح و جهاد؟؟؟

  • افتراءات و أكاذيب الغرب تجاه المرأة المسلمة

  • المرأة بين إنصاف الإسلام و أكاذيب الغرب

  • الاسلام و تعدد الزوجات

  • الاسلام و الجنس

  • الإسلام و ختان الإناث

  • الإسلام و ضرب الزوجات

  • الرقص فن أم إثارة غرائز؟!

  • زواج الرسول الكريم بالسيدة زينب

  • معاملة أهل الكتاب و أهل الذمة

  • درء الشبهة في قصة سيدنا يوسف وامرأة العزيز

  • مساعدة الرجل لأهل بيته ... تنقص من رجولته ؟؟ أم تزيد من شانه؟؟؟

  • الإسلام دين تسامح وليس دين تعصب

  • كيف نتعامل مع القرآن ؟

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق