كل تلك التساؤلات وغيرها تجعلني في حيرة دائمة حينما أوجهها لهؤلاء الموتى، ومما يجعلني في دهشة وتعجب أكبر حينما أجد الجواب من هؤلاء الموتى سلبي، ويدفعني ذلك في كل مرة أقابلهم فيها أن أكرر عليهم هذه الأسئلة، وأذكرهم – دائمًا – أين ورودهم التي كانت تملأ بساتينهم من قبل والتي تعهدوا إليها بعد ذلك بهذه الوصاية فما رعوها حق رعايتها؟!.
وكما أنني – أيضًا– حينما أذكرهم بهذا أذكرهم بأنه سوف يأتي يوما على هذا البستان وقد يسلب منهم بل وتقطع وتمزق زهوره ورياحينه الصغيرة وتطمس بالأقدام وإن حدث ذلك تكونون قد خسرتم كل شيء، وبأن موتهم هذا هو الذي يتسبب في كل ذلك، و بالرغم من أنى أراهم موتى لكنهم على قناعة تامة بأنهم مستيقظين بل وأنى أنا الذي وضعت نفسي في تلك القبور، والأكثر من ذلك أنهم يلقون باللوم الدائم والعتاب علىَّ، ويتهمونني بالخيانة العظمى لهم، ويدعون أنني قد تخاذلت عن جزءٍ من بستاني لمغتصبي البساتين الأخرى، وفى ذلك أرد عليهم بأني لم أفرط في خردلةٍ واحدةٍ في بستانٍ واحدٍ من بساتيني، وهذا ما تعلموه جيدا، ولكنني آثرت السلم والمعاهدة مع من يدعون أنهم أصحاب تلك البساتين المجاورة لبستاني، وكنت أود لو أعيد تلك البساتين الأخرى لأصحابها الأصليين، ولكن أصحابها خزلونى في هذا الأمر. إذن فما العيب على في ذلك؟!!
هل يعاب علىَّ على أننا قد أزلت هذا العدوان الغاشم عن زهوري الصغيرة حتى تكبر وتنموا وتملأ العالم علمًا، بل ويشهد لها العالم بأثره على ذلك؟!! أم يعاب على أنى نصحتكم فلم تستجيبوا لنصيحتي؟!! وها أنتم الآن فيما توقعته لكم، اعلموا جيدًا أنني لم أنتزع من هؤلاء السلم إلا حينما أفزعتهم بالحرب، وقد تبين لهم من خلال تلك الحرب – والتي كانوا يزعمون من قبلها أنهم لا يقهرون، بل والأكثر من هذا أن أصحاب البساتين الأخرى كانوا يشهدون لهم بذلك – أن زهوري الصغيرة حينما تعلم أنه قد أعتدي عليها أو على جزءٍ من بستانها تتحول إلى وحوشٍ كاسرةٍ لا يستطيع أن يقهرها أحد، ولا تعرف المستحيل أبدا، وهذا ما نفذته بالفعل في حربها على هؤلاء الأعداء الغاشمين بل وحطمت أسطورتهم التي زعموا أنها لا تقهر، وهذا ما حملهم على الاستسلام للأمر الواقع وقبول السلم بعيدًا عن الحرب، إذن فهم لم يقبلوا بالسلم إلا حينما ذاقوا مرارة الحرب.
ومن هنا أتساءل لما اللوم علىَّ إذن؟!! أنتم الذين لم تخوضوا مرحلة السلم معي من البداية، وها أنتم الآن فيما قد توقعته لكم، تكاسلتم وتواكلتم على ما تركه لنا الآباء والأجداد، عاديتم البساتين الأخرى. فماذا حدث؟ سُلبت منكم بعض بساتينكم والتي تعد من أهم وأغلى البساتين لديكم، بل وطمست ظهورها الصغيرة واغتصبت وبكرت رياحينها الجميلة وجردت من كل طيبٍ كانت تنعم به، وعن البساتين الأخرى فقد سلط جراد الإرهاب بشتى صوره عليها، وأمرضَ زهورها، وطمس رياحينها. والآن تلقون باللوم علىَّ. من الذي يلوم ويعتب على من؟!! أفيقوا أيها الموتى، استيقظوا من قبوركم، عودوا إلى مجدكم، استجيبوا لنداءات زهوركم الصغيرة، واستغاثات رياحينكم الجميلة، ألا تسمعوها؟!! هل صُمت آذانكم؟!! ألا تسمعوا بكاؤها وصراخها؟!! إنني أسمعه – دائمًا – وأتألم له، وكيف لا؟! وهو صوت ابنة عمى في البستان الأخر، ولكن عمى غافلٌ عنها. فماذا أفعل؟! نعم إنني أتألم في كل لحظة اسمع فيها صراخ واستغاثة أبناء عمومتي في البساتين الأخرى، وأود – دائمًا – لو أذهب إليهم وأنقذهم مما هم فيه، ولكن أعمامي لم يستجيبوا لنداءاتى حتى هلك بعضهم، إذن فأجيبوني بربكم ماذا أفعل إثر ذلك كله؟!! إنني أتوجه كل يومٍ إلى كل بستانٍ قوى يمكن أن يساعدني في إخراجهم مما هم فيه، ولكن أعمامي لم يساعدوني فماذا أفعل؟!! والآن وقد أوشكت زيارتي أن تنتهي؛ وذلك لكي ألحق مرة أخرى بأصحاب البساتين الأخرى لأناشدهم مساعدتي لحل مشكلة أبناء عمومتي في بساتينهم المغتصبة والبساتين الأخرى المصابة جراء اعتداء جراد الإرهاب عليها، ولكن أرجوا أن تتم المساعدة بالفعل لا بالقول كما يحدث كل مرة.