الحلقة الرابعة
داء الاستسقاء وعلاجه
لقد اعتاد كثير من المسلمين وخاصة منهم من تربى تربية غربية أو شرقية ـ اعتادوا على التنكر لما ينسب إلى دين الإسلام ونبي الإسلام ولا سيما في المجالات الطبية وغيرها، ومع وجود هذه الأبحاث والدراسات، فإن بعض المسلمين لا يزالون يعيشون بمنأى عنها وعن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكتب بعضهم يقول: النبي لم يبعث طبيبا وإنما بعث هاديا، وهذه بلا شك كلمة حق ولكن أريد بها باطل، أريد بها رد ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من كلام في الطب، وأيد الكاتب كلامه بقوله: يكفينا قول الرسول: «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
في الماضي استخدم العرب حليب الإبل في معالجة الكثير من الأمراض ومنها: أمراض المعدة، والأمعاء، والاستسقاء، وأمراض الكبد، وخاصة اليرقان، وتليف الكبد، وأمراض الربو وضيق التنفس، ومرض السكري، كما استخدم لمعالجة الضعف الجنسي، كما أنه يساعد على نمو العظام عند الأطفال، ويقوي عضلة القلب، وجاء في دراسته أن أبوال الإبل استخدمت - كمادة مطهرة للجروح والقروح، ولنمو الشعر ولتقويته، وتكاثره ومنع تساقطه، وكذا لمعالجة مرض القرع والقشرة.
رسول الأنام والدراسات الحديثة:
هذا رسولنا وطبيبنا ......محمد صلى الله عليه وسلم ......ما توصل إليه علماء اليوم .....كان بين يدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
التحاليل المعملية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم والبولينا والبروتينات الزلالية، والأزمولارتي وكميات قليلة من حمض البوريك والصوديوم والكرياتين، وأوضح الباحث أن الذي دعاه إلى تقصي خصائص بول الإبل العلاجية هو أنه رأى أفراد قبيلة يشربون ذلك البول حينما يصابون باضطرابات هضمية،
واستعان ببعض الأطباء لدراسة البول الإبلي فأتوا بمجموعة من المرضى وسقوهم ذلك البول لمدة شهرين وكانت النتيجة أن معظهم تخلصوا من الأمراض التي كانوا يعانون منها، أي أنه ثبت علميا أن بول الإبل مفيد إذا شُرِبَ على الريق،
أثبت أن ألبان الإبل تحتوي على كمية فائقة من فيتامين «ج» وهو الأمر الذي يجعل لألبان الإبل أهمية عظيمة لسكان المناطق الصحراوية التي لا توجد فيها الخضروات الورقية الطازجة والفواكه،
إلى أن معدلات الفيتامينات والمعادن في ألبان الإبل تتفوق على مثيلاتها في ألبان البقر والغنم حتى تصل إلى ثلاثة أضعاف ما في البقر والغنم، بل وتصل إلى ضعف ونصف ما في ألبان الأمهات من النساء.
من كتاب الطب النبوي لابن القيم
في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك ، قال : قدم رهط من عرينة وعكل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتووا المدينة ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها ، ففعلوا ، فلما صحوا ، عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم ، واستاقوا الإبل ، وحاربو الله ورسوله ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، فأخذوا ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في الشمس حتى ماتوا " .
والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء ، ما رواه مسلم في صحيحه في هذا الحديث أنهم قالوا : إنا اجتوينا المدينة ، فعظمت بطوننا ، وارتهشت أعضاؤنا ، وذكر تمام الحديث
والجوى : داء من أدواء الجوف - والاستسقاء : مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها ، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط ، وأقسامه ثلاثة :
لحمي وهو أصعبها .
وزقي .
وطبلي.
ولما كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل ، وإدرار بحسب الحاجة ، وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها ، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بشربها ، فإن في لبن اللقاح جلاءً وتلييناً ، وإدراراً وتلطيفاً، وتفتيحاً للسدد ، إذ كان أكثر رعيها الشيح ، والقيصوم ، والبابونج ، والأقحوان ، والإذخر ، وغير ذلك من الأدوية النافعة للإستسقاء .
وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة ، أو مع مشاركة ، وأكثرها عن السدد فيها ، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد ، لما فيه من التفتيح ، والمنافع المذكورة .
قال الرازي : لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد ، وفساد المزاج ، وقال الإسرائيلي : لبن اللقاح أرق الألبان ، وأكثرها مائية وحدة ، وأقلها غذاء ، فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول ، وإطلاق البطن ، وتفتيح السدد ، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع ، ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد ، وتفتيح سددها ، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثاً ، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استعمل لحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل ، وهو حار كما يخرج من الحيوان ، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته ، وتقطيعه الفضول ، وإطلاقه البطن ، فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن ، وجب أن يطلق بدواء مسهل .
قال صاحب القانون : ولا يلتفت إلى ما يقال : من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء . قال : واعلم أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق ، وما فيه من خاصية ، وأن هذا اللبن شديد المنفعة ، فلو أن إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به ، وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب ، فقادتهم الضرورة إلى ذلك ، فعوفوا . وأنفع الأبوال : بول الجمل الأعرابي ، وهو النجيب .
وهؤلاء الذين ينكرون شفاء القرآن للأبدان، وينكرون ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطب ويزعمون أن القرآن ما أنزل إلا للهداية وكذلك النبي ما أرسل إلا لهداية الناس، نقول لهم ليتكم اهتديتم في حياتكم بهدي القرآن وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنهم في وادٍ والقرآن والسنة في وادٍ آخر، وأما أن القرآن فيه شفاء للأبدان فهذا ثابت بالقرآن والسنة، وأما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأدوية وأشفية فهذا ثابت في الصحيحين وكتب السنن والمسانيد ودواوين الإسلام، كالتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وبالحبة السوداء، وبالتلبينة، وبالحجامة، والكحل والإثمد، والمنِّ، والقسط الهندي، وإطفاء الحمى بالماء، إلى غير ذلك.
فلو علمنا وفهمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى، ولكن غيره إنما يتكلم بالتجارب والظنون، ثم إننا لو علمنا أن الغرب إنما أخذ عنا هذه العلوم وعمل على تطويرها، وأن الأصل عندنا لوثقنا فيما عندنا وعلمنا أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل، وأفدنا منه، بدلا من البدائل الكيماوية التي تدمر حياتنا وأجسامنا وأصبح ضررها أكثر من نفعها.