روى ابن ماجه في سننه حديثاً في صحته نظر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع ، غلف رأسه بالحناء ، ويقول : " إنه نافع بإذن الله من الصداع "
والصداع : ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله ، فما كان منه في أحد شقي الرأس لازماً يسمى شقيقة ، وإن كان شاملاً لجميعه لازماً ، يسمى بيضة وخودة (عادة نرى بعض الأشخاص يشتكى من صداع شديد في نصف واحد من الرأس ولذلك يسمى بالشقيقة..........ولكن إذا اشتمل الرأس كله فيسمى في تلك الحالة بيضة وخودة ) تشبيهاً ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله ، وربما كان في مؤخر الرأس أو في مقدمه .
حقيقة الصداع
أنواعه كثيرة ، وأسبابه مختلفة . وحقيقة الصداع سخونة الرأس ، واحتماؤه لما دار فيه من البخار يطلب النفوذ من الرأس ، فلا يجد منفذاً فيصدعه كما يصدع الوعي إذا حمي ما فيه وطلب النفوذ ، فكل شئ رطب إذا حمي ، طلب مكاناً أوسع من مكانه الذي كان فيه ، فإذا عرض هذا البخار في الرأس كله بحيث لا يمكنه التفشي والتحلل ، وجال في الرأس ، سمي السدر .
أسباب الصداع :
1:أسبابها إحدى الطبائع الأربعة: الحرارة , والبرودة , والرطوبة , واليبوسة
2: يكون من قروح تكون في المعدة ، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة .
3: من ريح غليظة تكون في المعدة ، فتصعد إلى الرأس فتصدعه .
4 : يكون من ورم في عروق المعدة ، فيألم الرأس بألم المعدة للاتصال الذي بينهما .
5 : صداع يحصل عن امتلاء المعدة من الطعام ، ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئاً ، فيصدع الرأس ويثقله .
6 : يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم ، فيصل إليه من حر الهواء أكثر من قدره .
7 : صداع يحصل بعد القئ والاستفراغ ، إما لغلبة اليبس ، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه .
8 : صداع يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء .
9 : ما يعرض عن شدة البرد ، وتكاثف الأبخرة في الرأس وعدم تحللها .
10 : ما يحدث من السهر وعدم النوم .
11 : ما يحدث من ضغط الرأس وحمل الشئ الثقيل عليه .
12 : ما يحدث من كثرة الكلام ، فتضعف قوة الدماغ لأجله .
13 : ما يحدث من كثرة الحركة والرياضة المفرطة .
14 : ما يحدث من الأعراض النفسانية ، كالهموم ، والغموم ، والأحزان ، والوساوس ، والأفكار الرديئة .
15 : ما يحدث من شدة الجوع ، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه ، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه .
16 : ما يحدث عن ورم في صفاق الدماغ ، ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه .
17 : ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم ، والله أعلم .
***********
وسبب صداع الشقيقة :
مادة في شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها ، أو مرتقية إليها ، فيقبلها الجانب الأضعف من جانبيه ، وتلك المادة إما بخارية ، وإما أخلاط حارة أو باردة ، وعلامتها الخاصة بها ضربان الشرايين ، وخاصة في الدموي . وإذا ضبطت بالعصائب ، ومنعت من الضربان ، سكن الوجع .
وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له : أن هذا النوع كان يصيب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيمكث اليوم واليومين ، ولا يخرج .
وفيه : عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد عصب رأسه بعصابة . وفي الصحيح ، أنه قال في مرض موته : " وارأساه " وكان يعصب رأسه في مرضه ، وعصب الرأس ينفع في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس .
علاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه :
فمنه ما علاجه بالاستفراغ ،
ومنه ما علاجه بتناول الغذاء ،
ومنه ما علاجه بالسكون والدعة ،
ومنه ما علاجه بالضمادات ،
ومنه ما علاجه بالتبريد ،
ومنه ما علاجه بالتسخين ،
ومنه ما علاجه بأن يجتنب سماع الأصوات والحركات .
إذا عرف هذا ، فعلاج الصداع في هذا الحديث بالحناء ، هو جزئي لا كلي ، وهو علاج نوع من أنواعه ، فإن الصداع إذا كان من حرارة ملهبة ، ولم يكن من مادة يجب استفراغها ، نفع فيه الحناء نفعاً ظاهراً ، وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل، سكن الصداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به ، سكنت أوجاعه ، وهذا لا يختص بوجع الرأس ، بل يعم الأعضاء ، وفيه قبض تشد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهب ، سكنه .
وقد روى البخاري في تاريخه وأبو داود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شكى إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال له : " احتجم " ، ولا شكى إليه وجعاً في رجليه إلا قال له : " اختضب بالحناء " .
وفي الترمذي : عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان لا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء .
منافع الحناء وخواصه:
الحالة الأولى من الحناء أنها قد تكون باردة
والحالة الثانية أنها قد تكون يا يابسة
وذلك نتيجة إلى:
وقوة شجر الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من جوهر فيها مائي حار باعتدال ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد .
منافع الحناء:
1. أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به ،
2. وينفع إذا مضغ ، من قروح الفم والسلاق العارض فيه ، ويبرئ القلاع الحادث في أفواه الصبيان (نوع من التهابات الفم الذى يصيب الصبيه) ،
3. والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة ،
4. وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ، ودهن الورد ، ينفع من أوجاع الجنب .
5. ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدرى يخرج بصبي ، فخضبت أسافل رجليه بحناء ، فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شئ منه ، وهذا صحيح مجرب لا شك فيه . وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ، ومنع السوس عنها ، وإذا نقع ورقه في ماء يغمره، ثم عصر وشرب من صفوه أربعين يوماً كل يوم عشرون درهماً مع عشرة دراهم سكر ، ويغذى عليه بلحم الضأن الصغير ، فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة .
وحكي أن رجلاً تشققت أظافير أصابع يده ، وأنه بذل لمن يبرئه مالاً ، فلم يجد ، فوصفت له امرأة ، أن يشرب عشرة أيام حناء ، فلم يقدم عليه ، ثم نقعه بماء وشربه ، فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها .
والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجوناً حسّنها ونفعها ، وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر ، نفعها ونفع من الجرب المتقرح المزمن منفعة بليغة ، وهو ينبت الشعر ويقويه ، ويحسنه ، ويقوي الرأس ، وينفع من النفاطات ( الحويصلات إحدى مراحل البثور ؟) ، والبثور العارضة في الساقين والرجلين ، وسائر البدن .
المصدر كتاب ابن القيم ....الطب النبوي
تابعونا