علاج السم ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : " أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ، فقال : ما هذه ؟ قالت : هدية ، وحذرت أن تقول : من الصدقة ، فلا يأكل منها ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكل الصحابة ، ثم قال : أمسكوا ، ثم قال للمرأة : هل سممت هذه الشاة ؟ قالت : من أخبرك بهذا ؟ قال : هذا العظم لساقها ، وهو في يده ؟ قالت : نعم . قال : لم ؟ قالت : أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس ، وإن كنت نبياً ، لم يضرك ، قال : فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، فاحتجموا ، فمات بعضهم" . وفي طريق أخرى : واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : " ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر مني " فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ، قاله موسى بن عقبة . معالجة السم تكون بالاستفراغات ، وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها ، وإما بخواصها ، فمن عدم الدواء ، فليبادر إلى الاستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة ، ولا سيما إذا كان البلد حاراً ، والزمان حاراً ، فإن القوة السمية تسري إلى الدم ، فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب ، فيكون الهلاك ، فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء ، فإذا بادر المسموم ، وأخرج الدم ، خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته ، فإن كان استفراغاً تاماً لم يضره السم ، بل إما أن يذهب ، وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو تضعفه . ولما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم في الكاهل ، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب ، فخرجت المادة السمية مع الدم لا خروجاً كلياً ، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلها له ، فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ، ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وظهر سر قوله تعالى لأعدائه من اليهود : " أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " [ البقرة : 87 ] ، فجاء بلفظ كذبتم بالماضي الذي قد وقع منه ، وتحقق ، وجاء بلفظ : تقتلون بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه . كتبت هاله محمد |