تُرى سألت النفس يوماً أى العقائد تدين ؟؟
أى العقائد تتنفس وتختلج بصدرك .. تعطيها من نَفَسك وتذرف الدمع لتيهك منها فى خضم طريقك الواسع الطويل ، وأحياناً أخرى لفراقك إياها .
عقيدة تواليها الروح ، وتعشقها وتهفو إليها النفس ، وتسعى إليها الجوارح .
عقيدة من أجلها دوماً كانت المراجعة للذات وتناقضاتها ، وللطريق وخُطّافاته ، وللقلب وخفاياه .
ماذا تعنى لك تلك التى زعمت دوماً أنها غايتك ورفيقك ومؤنسك الوحيد ، ماذا قدمت لأجلها ؟؟
بل ماذا تحمّلت لأجلها .. تُراها يكيفيها حروف كلمات مبعثرة على ضفاف كل شفاة تحملها لحظة أو قدر من الزمان ثم يجفيها القلب وتشكو النفس غربتها معها ؟؟!!
تُرى كانت الحروف والكلمات والألفاظ هى ما ينقصها ؟؟!!
إنها فى ذاتها عظمة لمن قُدر له وقَدر على حملها بين جنبات نفسه وصارت تجاهها وفى سبيلها جوارحه .
بل إنها مصدر القيمة والفعالية والرسالة لكل من بحث عنها ووجد فيها خلاصه وملاذه الوحيد من دنيا الفراغ .
فصارت مؤنسه ورفيقه ومداد روحه ، سيجد فيها المُتنَفس بعد ضيق الاختناق .. وسمو النفس بعد الانحطاط ..وإخلاص القلب بعد النفاق ..وهداية الجوارح بعد التيه والضلال.
ستصير بوجودها مقياس الحياة ومعنى الوجود وسبب لاجتماع الأحبة كما الفراق ، وستظل العظمة سر تهافت الجميع عليها وملاذهم إليها ، فهى لهم منهج الحياة ، وخارطة الطريق وسبيل الخلاص والنجاة .
ستظل سراً للسعادة فى ذاتها وفى منأى عمن حملها ، وستبقى منارة للأفق السامى البعيد وللحياة الطيبة التى وعد بها سبحانه بعيداً عمن امتطى جوادها فكان له فارساً أو من عنه سقط .
هى لا تملك إلا الصدق تحمله لكل من بحث عنها ، ولكن تُراه هو صادقا معها وفى رحلته فى البحث عنها .. تُراه سيظل لها باحثاً وبحملها متمسكاً رغم المصاعب والقيود .
لكن اليقين دوماً فى أنّ الأنس سيظل برفقتها هى وليس مع من حملوها يوماً ، فى أنّ الغربة ستكون لفراقها وليست لسقوط فرسانها .
تذكرت حادثة وفاة رسول الأمة (صلى الله عليه وسلم ) وموقف أبى بكر (رضى الله عنه ) حينها .. حينما خرج إلى الناس فقال :
"أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ".
فهى عقيدة لا تهتز .. راسخة رسوخ الجبال ، خُلقت لتمكث فى الأرض لتكون زاداً للمؤمنين ولم يقترن وجودها بممثلوها ولم تستمد يوماً عظمتها منهم ، حتى بموت أسمى الناس خُلقا وخلقة .
فقد علّمنا – سبحانه وتعالى – سنته فى أرضه فقال :
" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ"
فهى حقيقة الوجود .. أنّ الجميع إلى الفناء سائرون ، وعن دنياهم راحلون وإن اختلفت النهاية تبعاً لاختلاف الطريق .
ولكن يظل لمن رحلوا وقد فارقوا جياد عقيدتهم فرسانا ً أثر الحياة وإن فارقتنا جوارحهم ، ونرثى للحياة أجساداً لازالت تعانق دنياها وهم عن معنى الحياة قد رحلوا .
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات