رسالة تنير طريق الحياة تبحث عن حَمَلَة .. تتضرع لرب العالمين أن يمن عليها بمن يستحقون حملها ، من يحملونها فكرا وعقيدة ، يؤمنون بها عن يقين بأنها هي هادي الطريق ، وبغية الحياة ..
وتشكو الرسالة إلى ربها من هجرها من المؤمنين .. وتتضرع إليه أن يعينها بفضله ويرزقها من يحملها عالما بقدرها ، يدعو إليها ويزيل عنها ما علق بها في أذهان الناس من ضباب في طريق الحياة ..
سارت تلك الرسالة في خضم الحياة الواسع .. فاستشعرت الغربة.. غربتها حتى عن أهلها .. ولم تجد عزاء لها في هذه الحياة غير أؤلئك الصالحين الذين أدركوا أهمية الطريق وأيقنوا أهمية حمل رسالة هذا الطريق .. كان عزاؤها عظمة هؤلاء الذين بهم تعظم رسالتهم، ذلك أن عظمتهم مستمدة من عظمة اختيارهم .. عظمة الاختيار التي كان مقصدها دار الخلود المقيم...
هؤلاء هم ..
الذين تعيش أرواحهم جو التوحيد لله رب العالمين ، فتذوب في داخلهم الأهواء والشهوات .. ولا يبتغون ولا ينتظرون أي أجر مادي أو معنوي لرسالتهم .. وإنما يدفعهم لحملها صدق سيرهم نحو طريق قد اختاروه ..
زادهم الوحيد قوة أيمانهم بفكرتهم الصالحة ، وصدق عقيدتهم ، وطهارة أرواحهم.
الذين أيقنوا أن طريق الآخرة هو طريق الدنيا بلا اختلاف ولا افتراق ، وأنهما ليس طريقين منفصلين أحدهما للدنيا والأخر للأخرة ، وإنما هو طريق واحد يشمل هذه وتلك ، ويربط ما بين هذه وتلك..!!
الذين أدركوا انه ليس هناك طريق للأخرة اسمه العبادة وطريق للدنيا اسمه العمل ، إنما هو طريق واحد أوله في الدنيا وآخره في الآخرة ، وهو طريق لا يفترق فيه العمل عن العبادة ولا العبادة عن العمل ، فكلاهما شئ واحد في نظر الإسلام ، وكلاهما يسير جنبا الى جنب في هذا الطريق الواحد الذي لا طريق سواه.
لقد حفرت الحياة بين طيات الرسالة قيمة هؤلاء الصالحين ... قيمة لهم تجعلهم هم – وهم وحدهم – هداة الطريق ، حفرت بين جنباتها كلمات عظيمة ، كانت هي عزاء الرسالة في الحياة..
فقالت : إن الرسالة لا يستحقها إلا من يبحث عنها ... من يدرك النقص في حياته بدونها .. من يسأل العلي العظيم أن يهديه الرفيق .. من يسأله الأمن من ضلالات الطريق بنور ذاك الرفيق .. ولذلك فان الضالين عن طريق الله ، لا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته ..
أما القلب الندي بالإيمان المتصل به سبحانه فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ومهما غام الجو وتلبد وغاب وجه الامل في ظلام الحاضر ، فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين ..
إن من يستحق حمل الرسالة بحق هو من يدرك قيمة التقوى ، ويحفظها عليه صفة وسلوكا لانه يؤمن بها بقلبه وتتلمس آثارها نفسه .. يتلمسها حساسية في الضمير ، وشفافية في الشعور ، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وتوق لآشواك الطريق .. طريق الحياة .. الذي تتجاذبه اشواك الرغائب والشهوات وأشواك المطامع والمطامح وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ..... وعشرات غيرها من الأشواك.
إن من يستحق الرسالة .. هو من يؤمن أنه " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا ..، فطوبى للغرباء" .. ويوقن أن هذه الغربة تناجي أهلها ، تمد لهم يد العطف والحنان لتمسح عن عاتقهم أي ألم أو حزن أَلَمَ بهم ..
وأن أولئك الغرباء لا يعرفهم أو يدرك قيمتهم إلا من بحث عنهم ، فهل هناك حقا من يبحث عن تلك الغربة ، ويوالي الغرباء ... ؟
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم "التوبة 71 - 72