فى رمضان تسمو النفوس... وتعلو الهمم...ويسعى الكثير لتغيير حياته للأفضل.. وعندما يكون رمضان هو بداية التغيير فبالطبع هناك خلق كريم لابد أن نتحلى به فيه رمضان وغير رمضان أيضا.. فهناك من يتخذ من رمضان سبب لكى يقول " لا أريد أن يتحدث معى أحد فأنا صائم" وكأن الصيام عبء ثقيل عليه.
سأتحدث عن خلق كريم نحن فى أمس الحاجة إليه وخاصة كل من يدعو إلى الله وكل من يتحمل مسئولية أيا كانت ..هذا الخلق من صفات الله عز وجل قال تعالى: {واعلموا أن الله غفور حليم} [البقرة 235]..
إنه خلق الحلم والحلم هنا يعنى ضبط النفس ،كظم الغيظ، والبعد عن الغضب، ومقابلة السيئة بالحسنة وهو لا يعني أن يرضي الإنسان بالذل أو يقبل الهوان، وإنما هو الترفع عن سب الناس، وتنزيه النفس عن ذكر عيوبهم.
فهذا الخلق الكريم تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أفعاله وإن استقراء صور العفو والحلم في سيرته صلى الله عليه وسلم أمر يطول لذا نكتفي بذكر بعض من تلك الصور من حياته توضح مدى حلمه وأناته صلى الله عليه وسلم.
1- فعندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة ثقيف طلباً للحماية مما ناله من أذى قومه ، لم يجد عندهم من الإجابة ما أراد ، بل قابله ساداتها بقبيح القول والأذى ، وقابله الأطفال برمي الحجارة عليه، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن ومن التعب الشديد ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يفق إلا وجبريل رضي الله عنه قائماً عنده يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: ( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري ، فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم من إنسان يُضاهي هذا الحلم إلا حلمه عليه السلام.
2 - ولما كُسِرت رُباعيته صلى الله عليه وسلم وشُجَ وجهه يوم أُحد، شَقَ ذلك على أصحابه، وقالوا: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فأجاب أصحابه قائلاً لهم: ( إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم .
3 - وأقبل ذات مرة الطفيل بن عمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، طالباً منه الدعاء على أهل دوس لعصيانهم ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يديه مستقبل القبلة قائلا: ( اللهم اهد دوساً ) رواه البخاري .
4- ومن حلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم مع الأعراب، حينما أقبل عليه ذلك الأعرابي ، فشد رداء النبي صلى الله عليه وسلم بقوة، حتى أثر ذلك على عنقه عليه السلام، فصاح الأعرابي قائلا للنبي: مُر لي من مال الله الذي عندك ، فقابله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك له، والصحابة من حوله في غضب شديد من هول هذا الأمر، وفي دهشة من ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه وفي نهاية الأمر، يأمر النبي صحابته بإعطاء هذا الأعرابي شيئاً من بيت مال المسلمين.
5- وأعظم من ذلك موقفه مع أهل مكة، بعدما أُخرج منها وهي أحب البلاد إليه، وجاء النصر من الله تعالى، وأعزه سبحانه بفتحها، قام فيهم قائلاً: ( ما تقولون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا : خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال: ( أقول كما قال أخي يوسف ) : { لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين } (يوسف:92)، ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي.
وهناك الكثير والكثير من المواقف التى تبين تحلى نبينا العظيم بهذا الخلق فلقد أثنى نبينا صلى الله عليه وسلم على أشج عبد القيس بقوله : " إن فيك خلتين يحبهما الله ، فقال : وماهما يارسول الله ؟ قال : الحلم والأناة ....... الحديث رواه البخاري
الحلم من الخصال التي يحبها الله فهل استشعرنا هذا المعنى وقت غضبنا وثورتنا؟ هل نستشعر أن هذه الخلة يحبها الله عزوجل فيحملنا ذلك الشعور على الصبر الجميل والحلم العظيم ولسان حالنا ينطق " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
إن هذا الخلق وصف شريف ورداء نظيف يلبسه الله لمن يشاء من أوليائه الذين لايرتدونه إلا احتسابا ولايرتدونه رياءوسمعة وخيلاء ، فهذا نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام استحق وصف الحليم:( إن إبراهيم لحليم أواه منيب) ، ولقد بعث الله له من ذريته غلاما حليما ونبيا كريما إنه إسماعيل عليه السلام : ( فبشرناه بغلام حليم ) ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال عنه ربه وإنك لعلى خلق عظيم ، وقد قال الله عز وجل موصيا نبيه عليه الصلاة والسلام ومربيا االأمة على هذا الخلق( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ) ويقول سبحانه مثنيا على أصحاب هذا الخلق النبيل ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ** الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين(
وإن من أحوج الناس لتلمس تلك الدلالات والمعاني الذين يتصدرون لدعوة الناس " فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لايخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " والنبي صلى الله عليه وسلم خالط الناس في دعوته بالاحتساب والصبر والحلم والأناة ولم يخالطهم بالفظاظة والغلظة والقسوة والغضب وصدق الله ( ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
بالله عليكم لوكانت هذه المعاني مستحضرة في واقعنا وواقع تعاملنا مع عباد الله عزوجل كيف سيكون حال دعوتنا ؟ كيف لو استحضر المعلم هذا المعنى مع طلابه ورواد درسه؟ وكيف لو استحضرت المعلمة ذلك مع طالباتها ؟ وكيف لو تأمل الداعية والمربي والشيخ والعالم في هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم وتمثله أصحاب الرسالات والدعوات في حياتهم ، كيف سيكون حال الناس ؟ الحلم ذلك الخلق العزيز فللصوم تأثير ظاهرٌ فيه ، كيف لا ونبينا الكريم يقول" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم " أخرجاه في الصحيحين .
إن الصائم تهدأ نفسه ويسيطر على مشاعره ، ويتنازل عن جهل الآخرين عليه ، ولا يُستفز فينتقم لنفسه ، بل يعفو ويصفح ويتجاوز ويغفر وهذا زمام الحلم ، وكم هو فضل من الله لمن يملكون زمام أنفسهم بالحلم والصفح وإن قدروا على المجازاة والانتقام ، وفي هذا يذكر أن الأحنف بن قيس شتمه رجل وجعل يتبعه حتى بلغ حيه ، فقال له الأحنف يا هذا : :إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف ، لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى مكروها .
فهل نتعلم يا ترى من رمضان الحلم ونمارس الحلم في رمضان وغيره ؟
ذات ليلة، خرج الخليفة عمر بن عبد العزيز ليتفقد أحوال رعيته، وكان في صحبته شرطي، فدخلا مسجدًا، وكان المسجد مظلمًا، فتعثر عمر برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. وأراد الشرطي أن يضرب الرجل، فقال له عمر: لا تفعل، إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت له: لا.
فقد سبق حلم الخليفة غضبه، فتقبل ببساطة أن يصفه رجل من عامة الناس بالجنون، ولم يدفعه سلطانه وقوته إلى البطش به.
فضائل الحلم:
- الحلم صفة يحبها الله -عز وجل-، قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) }مسلم{
- الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل- على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء) }أبو داود والترمذي{
الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُّرْعَة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) }مسلم{
الحلم وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم إلى أصدقاء، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وقد قيل: إذا سكتَّ عن الجاهل فقد أوسعتَه جوابًا، وأوجعتَه عقابًا.- الحلم وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، فقد قيل: أول ما يُعوَّض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره.
الحلم يُجنِّب صاحبه الوقوع في الأخطاء، ولا يعطي الفرصة للشيطان لكي يسيطر عليه.
والحلم والغضب نقيضان فالغضب هو إنفاذ الغيظ وعدم السيطرة على النفس، وهو خلق ذميم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب). فأعاد الرجل السؤال وردده مرارًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب )رواه البخارى
ما أحوجنا الى هذا الخلق حتى لا يوصف المسلمون بأنهم متجهمون ارهابيون لكى نرد عليهم بأن الاسلام هو دين السلام والخير وكل خلق كريم فهيا معا ليكون رمضان هو البداية للتحلى بهذا الخلق.
المصادر
http://www.alsadea.com/vb/showthread.php?t=4887
http://www.quransite.com/vb/showthread.php?t=7293
http://www.55a.net/vb/showthread.php?p=109628