سأل أحدهم : مَن في المدينة اليوم يفتي ؟ قال : "ما ثم مثل فتىً من ذي أصبح يقال له مالك بن أنس" ، حتى درجتْ تلك المقولة الشهيرة : "لا يُفتَى ومالك في المدينة"
لقب بإمام دار الهجرة لأنه استمر مدة طويلة كان فيها مرجع أهل المدينة (دار الهجرة النبوية) الوحيد حتى قيل: لا يفتى ومالك بالمدينة. و لقب بإمام الأئمة لكثرة من أخذ عنه من أعلام هذه الأمة وأئمتها مباشرة أو بواسطة، فممن أخذ عنه مباشرة الإمام الشافعي والإمام محمد بن الحسن والإمام أبو يوسف صاحباً أبي حنيفة، كما أخذ عنه الإمام أحمد والإمام البخاري والإمام مسلم... بواسطة ،، ومن أهم مؤلفاته وأجل آثاره كتابه الشهير الموطأ وهو الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده إلى عهد الامام البخاري.
نجم اليوم هو أحد الأئمة الأربعة و هو إمام دار الهجرة وشيخ المدينة وعالم أهل الحجاز أنه أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، الذي نشأ في رحاب العلم مُخلصا له منقطعا إليه شأن كل إمام جليل ، و قال عيسى بن عمر ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك. ومن الطريف أن مالكا قد رأى لنفسه رأيا في مستهل حياته لو أنه قام بتنفيذه لحُرم العلم والدين شيخا من شيوخه وإمام من أئمته ، ذلك أنه قد راق له في باكر صباه أن يشتغل بالغناء ولعله قد أنِس في نفسه صوتا رخيما وأداءً جذابا.
ولكن أمه كانت سيدة فاضلة سارعت إلى تقبيح الفكرة لديه موهمة إياه أنه قبيح المنظر والناس لا يَقبلون سماع المغني إذا لم يكن جميل المحيا وضيء القسمات ، ونصحته بالإقبال على الفقه فأذعن لرأيها... وأقبل على الفقه والحديث ذلك الإقبال الذي هيأ منه إماما جليلا من أئمة الإسلام ... انطلق يلتمس العلم و حرص على جمعه و تفرغ له ولازم العديد من كبار العلماء ، لعل أشدهم أثرا في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو أبو بكر بن عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ ،فقد روي عن مالك أنه قال:" كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل ."
مواقف من حياته
]* روي أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت فلو نهوك قال كنت أنتهي لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه.
* وقال خلف: دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام في مسجد قد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
* يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
* وعن قتيبه قال كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا قد لبس من أحسن ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
* وعن محمد بن عمر قال كان مالك يأتي المسجد فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس فكان يصلي وينصرف وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
* وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليلا قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما أكثر أحد قط فأفلح.
محنة الإمام مالك
تعرض الإمام مالك لمحنة وبلاء بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان فيقول الواقدي لما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا بمالك إليه وكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز عنده قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه. فيقول إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده بالأخرى... هذه ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين. وقال النبي )صلى الله عليه وسلم( كل قضاء المؤمن خير له ...وقال الله تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين)سورة محمد: 31 .فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فالله حكم مقسط ثم يحمد الله على سلامة دينه.
وفاة الإمام مالك
توفى الامام مالك و عمره تسعا وثمانين سنة 14 ؤبيع الأول عام 179ه . و سئل عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال }لله الأمر من قبل ومن بعد{الروم:4، فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.
من كلماته
*العلم ينقص ولا يزيد ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.
*والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري.
*أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.
*ما تعلمت العلم إلا لنفسي وما تعلمت ليحتاج الناس إلي وكذلك كان الناس.
*ليس هذا الجدل من الدين بشيء.
قالوا عنه
يقول البخاري :أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر.
ويقول الشافعي إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وقال أيضاً: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
ويقول الذهبي :اتفق لمالك مناقب ما علمتُها لغيره أحدها طول العمر مات وعمره 85) عاماً( وعلو الرواية، وثانيها: الذهن الثاقب والفهم الواسع ، وثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حُجة صحيح الرواية، ورابعها: تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه السنن ، وخامسها: تقدمه في الفقه وصحة قواعده.
المصادر
حياة موقع اخبار
موقع نداء الايمان
موقع المعرفة