مصائر الشعوب ونكباتها لا تنتهي بأيدي الآخرين مهما كانت قوتهم ومهما كانت مكانتهم في خريطة الكون فالشعوب في القرن الماضي معظمها كانت خاضعة لجبروت وهيمنة قبضات استعمارية حديدية إلي أن ثارت وجاهدت وتوحدت فاستعادت كرامتها وحقوقها وفككت إمبراطوريات وغيبت شموس زعم أصحابها أنها لا تغيب وفي ظل هذه المنظومة الشعبية التحريرية توقفت حملات العنصرية والإبادة ضد أصحاب الحقوق علي الرغم من إبادة ملايين منهم(50 مليونا في أمريكا الشمالية, و70 مليونا في أمريكا الجنوبية والوسطي) بنيران الغزو الأوروبي الاستيطاني الاستعماري
ومع ذلك سطع فجر الحريات والاستقلال علي أكثر من(140) دولة أصبحت أعضاء في الأمم المتحدة .... والشعب الفلسطيني واحد من شعوب البشر الذي لم يحظ إلى الأن على حريته واستقلاله وهو صاحب الأرض فمن عجائب الدنيا - إن لم يكن وحده عجائب الدنيا مجتمعة – أن هذا الشعب لم يحمل حتى اليوم مثل شعوب الدنيا بطاقة انتسابه إلي المجتمع الدولي بالرغم من عشرات القرارات الأممية التي أكدت أحقية هذا الشعب في أرضه وعودة اللاجئين حتى اشتكت أدراج وأرفف الهيئات الدولية من تكدس القرارات والتوجهات والتوصيات ولا مجيب بل إنه يقتل ويطرد وتصادر أرضه تحت مسامع وأنظار أولئك الذين يزعمون أنهم يحملون أمانة حقوق الإنسان والانتصار للمقهورين في أنحاء المعمورة وتخليصهم من القهر والظلم.
ولست مبالغا إذا قلت إن ملفات وأوراق ووثائق قضية فلسطين تفوق وحدها كل ملفات وأوراق ووثائق كل مشاكل الدنيا مجتمعة منذ إعلان عصبة الأمم وخليفتها هيئة الأمم المتحدة ولم يبق للفلسطينيين سوي بكائيات وحسرات ما يزعمونه حقوق الإنسان ، ولم يبق لهم سوي مظلة أمريكية تحرس وتساند أحفاد السامري وهم يهودون البشر والحجر ويقيمون الحواجز ويشوهون التاريخ يمارسون كل وسائل إبادة الإنسان الفلسطيني علي الرغم أن مظلة حقوق الإنسان تظلل أماكن أخري وتنتصر لها هيئات المجتمع الدولي.
إن الذي دفعني إلي كتابة هذه الأسطر ما أعلنه بالأمس القريب السيد( بان كي مون) الأمين العام للأمم المتحدة من أنه يأسف غاية الأسف أن هيئته الموقرة أصدرت قرارات سبعة بشأن إقليم دارفور ولم تحل المشكلة ويستحث المجتمع الدولي ويحشد قواه للإسراع في إنقاذ أطفال ونساء دارفور وغير ذلك من المشاهد اللإنسانية التي أرقت ضمير الرجل وأقضت مضاجعه( مسكين)!! فأين سيادته من مأساة فلسطين التي أصبحت وصمة عار في جبين الإنسانية وعنوانا سرمديا علي غيبة ضمير المجتمع الدولي وهيئاته الذي يتربع سيادته علي أهمها وكأن بان كي مون يري الدنيا بأسرها عدا فلسطين ويتأثر أو يبكي من اجل أطفال ونساء الدنيا إلا أطفال ونساء فلسطين وكأن الزمن بزعامة هيئة سيادته يدور إلي الخلف بل إنهم يتعمدون إيقاف الزمن إلا ما كانت مشكلة فلسطين أقدم مشكلة في العصر الحديث حتي أصبحت كل قراراتها حبيسة توابيت هيئته الموقرة بدءا من القرار رقم(181) ثم القرارين(194 ــ237) بشأن عودة الفلسطينيين لأرضهم وديارهم حتى نجح المجتمع العالمي في اغتيال قضية القضايا وإيهام المفاوضين بسلطة معطلة أو قناع لا فرق.
وكأن التاريخ لم يعد يدوي في أسماعهم فماذا عساهم لو أنصتوا له بعض وقت ، وصوت التاريخ أبدا لم يسكت فها هو يتصايح بقولة( جولدا مائير) رئيسة وزراء الاحتلال - حينما قالت " فلسطين كانت في الماضي أما اليوم فقد أصبحت إسرائيل والقسم الآخر الأردن، والشعب الفلسطيني كان في الماضي أما اليوم فجزء إسرائيل والآخر لاجيء عليه أن يندمج في البلدان العربية " ، ثم جاء( مناحم بيجن) رئيس وزراء راحل - يعلن " الفلسطينيون حيوانات تمشي علي قدمين انتهينا منهم وأنجزنا سلاما لأربعين الهليكوبتر إلي شوارع تل أبيب " ، وهذا( اسحق شامير) رئيس وزراء راحل - يؤكد " سنتفاوض مع العرب عشر سنوات بدون نتيجة " إلي أن وصلنا إلي( نتانياهو الذي قال " لا وجود لقضية فلسطينية وهي فبركة عربية " وهذا( باراك) صاحب لاءاته الستة الشهيرة " لا لعودة القدس الشرقية للفلسطينيين ، لا عودة لحدود حزيران/ يونيو67 ، لا عودة للاجئين ، لا تفكيك ينطبق علي الضفة والقطاع كما ينطبق علي سيناء والأردن والجولان " وهذه اللاءات هي التي حددها في قمته مع( كلينتون) و(عرفات) واعتبرها خطوطا حمراء ... وهكذا اغتيلت حقوقنا بمسلسل صهيوني عالمي منتظم ولا ادري علام يفاوض من يفاوض وينتظر من ينتظر ويأمل من يأمل.
مقال لمصطفى موسى