أحداث كثيرة على الساحة في نهاية عام و بداية عام جديد... صراعات و حروب و مبادرات سلام و أمراض و أزمات... والإعلام يختار بعض منها فيضعها تحت العدسة المكبرة و أخرى لا يذكرها.
فهناك أحداث كروية تدور حول مباريات تنتهي بمعارك و مذابح... فالرياضة أصبحت مرتعا للجنون والمزايدات وإلهاء الرأي العام عن قضاياه الحقيقية... وأصبحت الشهرة والمال هي هدف الرياضة... وبات هناك هوس كروي والتف المشاهدون أمام أجهزة التليفزيون وتعلقت العيون بالكرة وتعالت صرخات مليارات الحناجر حينما يدخل هدف ... ثم ماذا؟ استلقاء في راحة و كأننا بلغنا السعادة الأبدية ... وأتسآل هل هي حالة هروب من الضمير إلى الملاعب ليستبدل العمل الجاد بالكئوس الرمزية...!!!
و ما أسوأ أن تتحول الرياضة إلى معركة بين إخوان و لا يُهدأ الأمر إلا قليل من الشيوخ بينما يثير الإعلام النفوس بدلا من تهدئتها... و تنتهي بمقاطعات. و يضع أيضا الإعلام مسالة بناء الجدار على حدود مصر تحت العدسة المكبرة و لا نعلم من نصدق... فهل الجدار هو أمن وحماية للحدود المصرية أم هو تضييق خناق على أهل غزة؟؟!. و هل يكفى معبر رفح لعبور الغذاء و الدواء لفلسطين أم يحتاجون إلى فتح المعابر الآخرى ؟؟! أما سلام الشيخ سيد طنطاوي على شمعون بيريز رئيس الدولة الإسرائيلية فقد أخذ أكثر من حقه في الإعلام و الكثير من الانتقادات،.. بينما لم يذكر الإعلام شيئا عن زيارة شمعون بيريز رئيس إسرائيل لمدينة قطر وترحيب المسئولين وبعض المواطنين به .. أليس هذه ازدواجية في معايير النقل الإعلامي؟؟!!
و هل نترك كل ما يحدث في فلسطين و العراق ومحاولات تهويد للقدس... ليقتصر الأمر فقط على فتوى إجازة أم تحريم السلام على شمعون بيريز...!
و الآن هيا بنا نطوف و نجول حتى نعلم ما هو سر مدينة أورشليم؟
بيت المقدس
كان أول من اختطها من ملوك اليبوسيين (وهم فرع من الكنعانيين) "مليك صادق" الذي عرف عنه أنه كان محبا للسلام حتى أطلق عليه "ملك السلام" ومن هنا جاء اسم المدنية "سالم" وقد حرف هذا الاسم إلى "شالم" أو "أورشليم".
ظلت القدس على كيانها العربي سنين عديدة.. ولقد ظلت أزمانا تحافظ على وحدتها وتضعف أزمانا أخرى ولكن حياة العرب فيها من الكنعانيين لم تختف على الرغم من غزوات العبرانيين أو الفرس أو اليونان أو الرومان. وكل ما في الأمر أنها بلاد قد تداولتها أيدي الغزاة، دون أن تفقد أهلها وأصحابها.
إنها أورشليم التاريخية التي هدمها الرومان مرتين، وأزالوا اسمها من الوجود، وهى التي تنبأ السيد المسيح بخرابها حين قال لها : " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا" وحين قال لأحد تلاميذه : " انتظر هذه الأبنية العظيمة لا يترك حجر على حجر لا ينقض ". بل إن نبيهم سليمان تنبأ لها بهذا المصير، حين قال لهم : " فإني أقطع إسرائيل عن وجه الأرض التي أعطيتم إياها والبيت الذي قدسته لأسمى أنفيه من أمامي ".
أورشليم تلك اندثرت بسببهم ، ثم جاء المسلمون وفتحوا المدينة ولم يأخذوها من اليهود، بل أخذوها من الرومان أعداء اليهود وحافظوا على كنائسها ومعابدها، وفى أثناء الحكم الإسلامي وحده شرع اليهود يعودون إليها ويقومون فيها المعابد والمعاهد وفق الشروط التي وضعها الإسلام لأهل الذمة.
يولا موشى ديان
قالت يولا ابنة موشى ديان في مذكراتها إنها عندما سافرت إلى القدس : " علمت أن المهاجرين نوعان. أحدهما قادم من أوربا، و الآخر من آسيا و أفريقيا... و علمت أن الوكالة اليهودية بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية تقيم مساكن جميلة لإغراء اليهود الغربيين على الإقامة في مناطق الاستيطان الزراعي ، أما اليهود الشرقيون فإنهم ينقلون إلى معسكرات مؤلفة من خيام و بيوت خشبية أو مصنوعة من الصفيح لا تتوافر فيها الوسائل الصحية و ليس فيها ماء و لا كهرباء، بل هناك حنفية عامة في وسط المعسكر و إلى جوارها عمود الكهرباء..أما البيوت فهي عبارة عن قاعات خالية من كل شيء مرصوفة بالأسمنت حيث تعتبر اليهود الشرقيون مواطنين من الدرجة الثانية"
مناحم بيجن
يقول مناحم بيجن و رئيس وزراء إسرائيل (1977 ـ 1983) في كتابه الثورة إن أباه علمه منذ صغره أن اليهود سيعودون إلى فلسطين التي لا يسميها إلا أرض إسرائيل أرض الميعاد و الأجداد.
كما قال : " إننا أمة صغيرة أعداؤها كثيرون ، ومن الذي يدرى ما يخبئه الغد لنا ، لكن تاريخ ثورتنا وانتصارها في النهاية ينبغي أن يكونا عامل توجيه لنا في مستقبلنا المجهول ... فان تتمكن أمة مستعبدة مشتتة مغلوبة على أمرها منقسمة على نفسها تقف على حافة هاوية الاندثار التام .. من أن تثور برغم كل هذا و تخط مصيرها بيدها لدليل على أن الإيمان بفكرة معينة و تكري الروح لها ، هو كل شيء، و كل ما عداه من شروط لبلوغ الغاية إنما هي تفاصيل تكتمل من تلقاء نفسها ... فإذا لم يكن هناك سلاح، يصبح الحصول عليه ممكنا، ولو العدو من نفسه... و إذا لم يكن هناك جنود، أمكن إيجاد المحاربين الذين يتكفل الكفاح المسلح نفسه بتعليمهم و تدريبهم...المهم أولا و أخيرا هو روح الثورة التي من غيرها لا يمكن تحقيق أي شيء."
و لا نجد تعليق أفضل مما كتبته ايلين بيتى الكاتبة الأمريكية فى نهاية كتابها أزيلوا إسرائيل :
"لننقذ، إذن، هذه الأرض المقدسة من أيدي الغاصبين (تقصد الإسرائيليين) و نخلع عليها الوضع الذي تستحق ، إن تحت ندبتها صفة على أعظم جانب من النبل...فلنعامل هذه البقعة المقدسة كأنها ملك عظيم، و لنلبسها الحلل الجميلة، ونجلسها عرى عرش، ثم لنتوج رأسها بتاج يقدم له الجميع الخضوع و الطاعة... و لنعيدها إلى أصحابها الشرعيين ( تقصد العرب).
لنفعل هذا ... هذه الأرض هي مزار الله و الأديان الثلاثة الكبرى فلنجعلها مزارا ... مزارا دوليا ، الأول بحق لنفعل هذا. و بذلك تستقر الأمور و تستقيم الأحوال... هذا هو الحل !! ".
مريم جميلة
تقول مارغريت ماركوس – مريم جميلة حاليا التي ولدت في نيويورك عام 1934م لأبوين يهوديين- نمت لدي الرغبة منذ العاشرة في قراءة كل الكتب التي تتحدث عن العرب فأدركت أن العرب لم يجعلوا الإسلام عظيماً، لكن الإسلام هو الذي حولهم من قبائل في صحراء قاحلة إلى سادة العالم.
تفاعلت مريم مع أحداث العالم الإسلامي وتياراته الفكرية، تقول في إحدى رسائلها للمسلمين" اتبعوا هدي القرآن والسنة ليس كمجموعة من الشعائر فقط، بل كمرشد علمي للسلوك في حياتنا اليومية الخاصة والعامة. اتركوا جانبا الخلافات، لا تضيعوا وقتكم الثمين في الأشياء غير المجدية، وبمشيئة الله سيتوج المولى حياتكم بالفلاح في الحياة الدنيا وبالفوز الأعظم في الآخرة".
ولم تنس مريم موطنها الأصلي فقد بعثت برسالة إلى والديها في آذار (مارس) 1983 تقول فيها: لا بد أن تعرفا أن المجتمع الذي نشأنا فيه كل حياتنا يشهد حالة من التفسخ السريع وهو الآن على شفا الانهيار، إن أمريكا الآن تكرار لروما القديمة في المراحل الأخيرة من انهيارها، والأمر نفسه يصدق على أوروبا وأي مكان تغلب عليه الثقافة الغربية لقد فشلت العلمانية والمادية أن تكوناً أساساً لنظام اجتماعي ناجح.
حوار بين ليوبولد فايس و مضيفه الحاكم فى منطقة بأفغانستان
ليوبولد فايس :" لماذا فقدتم أنتم المسلمون ثقتكم بأنفسكم، التي في القديم ساعدت على نشر الإيمان بالإسلام في أقل من مائة عام، من الجزيرة العربية غربا إلى المحيط الأطلسي ، وشرقا في العمق إلى الصين - والآن تستسلمون بضعف ، إلى الأفكار والعادات الغربية ؟ لماذا لا تستطيعون أنتم يا من كان أبائكم الأوائل أناروا العالم بعلمهم وفنهم ، بينما كانت أوروبا تغض في بربرية وجهل مدقع ، فلتعملوا من الآن على أن تعودوا لإيمانكم الخلاق ؟ كيف أن هذا الأتاتورك التافه ، الذي ينكر كل قيم الإسلام ، قد أصبح عندكم رمزا لإحياء الإسلام ؟"
و استمر الحاكم في صمته:
فقال ليوبولد فايس : "هل لك أن تدلني - كيف أن الإيمان الذي دلكم عليه نبيكم ، وكل هذا الوضوح والبساطة ، قد دفنت تحت أنقاض الثرثرة المتحذلقة ، والشجار بين علمائكم ؟ كيف أن أمراءكم والإقطاعيين يعيشون في رفاهية ، بينما إخوانهم من المسلمين ، يذوقون الفاقة والفقر المدقع ، في حين أن نبيكم يقول أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع ؟ هل لك أن تشرح لي كيف نبذتم النساء خلفكم ، بينما نساء الرسول " صلى الله عليه وسلم " ، وصحابته كن يشاركن الرجال في أمورهم الهامة ؟ كيف وصل الحال بكم أنتم المسلمين إلى الجهل والأمية ، فى حين يقول نبيكم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وفضل العالم على العابد كفضل البدر على سائر النجوم ؟"
ظل الحاكم يحملق فيه دون كلام ، وابتدأت أشعر أن ملحوظاتي قد أحبطته ... وفى النهاية، أخذ الحاكم رداءه المصنوع من جلد الغنم وتدثر به، كما يكون قد أحس بالبرد !
وهمس له الحاكم: " لكنك أنت مسلم ... " .
أخذه الضحك وأجاب: "لا، أنا لست مسلما، ولكني ألممت ببعض القيم في الإسلام التي تجعلني أغضب في بعض الأحيان، كيف أنكم أنتم أيها المسلمون تضيعونها... أعذرني إذا كنت قد أسأت في الكلام، أنا لا أتكلم معك كعدو".
ولكن مضيفه هز رأسه قائلا: "لا فكما قلت لك، أنت مسلم، ولكنك لا تعرف نفسك... لماذا لا تنطق الآن وهنا بالشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وتصبح مسلما في حقيقة الأمر، فإنك مسلم قلبيا!، قلها يا أخي، قلها الآن، وسأصطحبك غدا لكابول لملاقاة الأمير، الذي سيستقبلك بذراعين مفتوحتين كشخص مثلنا. سيمنحك منازل وحدائق وأغنام، وسيحبك، قلها يا أخي...".
فرد ليوبولد فايس :"إذا قلت ذلك، سيكون نتيجة لأن عقلي قد استراح، وليس نتيجة لأن الأمير منحني المنازل والحدائق".
ولكن أصر مضيفه و قال له: "أنت تعرف كثيرا عن الإسلام ربما أكثر من بعض المسلمين، ما هو الذي مازلت تريد أن تعرفه؟ المسألة ليست مسألة فهم، إنها مسألة اقتناع، الاقتناع بأن القرآن الكريم هو فعلاً كلمة الله، وليس مجرد كلمات من شخص نابه ذكي ذو عقلية متفوقة".
وظلت كلمات صديقه الأفغاني تراوده ولم تتركه لشهور عدة!!! وكان هذا الحوار هو بداية تحول ليوبولد فايس إلى محمد أسد الذي ولد بإقليم غاليسيا في بولندا في (2 يوليو عام 1900م) لأبوين يهوديين، وبدأ تعليمه منذ صغره ليصبح حاخامًا مثل جده لأبيه؛ فدرس على أيدي أساتذة خصوصيين العلوم الدينية العبرانية بتعمق كبير، ووجد نفسه في سن مبكرة لا تتجاوز الثالثة عشرة يجيد قراءة العبرانية بسهولة والتحدث بها بطلاقة تامة إلى جانب معرفته بالآرامية؛ وهو ما ساعده فيما بعد على سرعة وسهولة تعلم اللغة العربية. هذه المعرفة المبكرة العميقة للتراث اليهودي الديني مكنته من إدراك الكثير من جوانب القصور في المعتقد اليهودي، فأخذ على التراث اليهودي الديني تضخم الطقوس والشعائر التعبدية، كما أخذ عليه جعله من الله خالق الناس أجمعين وربهم إلهًا قبليًّا لا يهتم إلا بمصالح شعب قبيلته المختارة على حساب بقية الخلق بحيث إن الحماس الأخلاقي للأنبياء المتأخرين لم يفلح في أن يجعل من ذلك رسالة عالمية.
محاكمة جارودى
(روجيه جارودى هو فيلسوف فرنسي اعتنق الإسلام و منع من الحديث في الصحافة وعتم على نشاطه وإنتاجه الفكري بعد أن اتهم "بمعاداة السامية"؛ عقب نشر كتابه الذي أثار ضجة في فرنسا حول "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية")
جارودي : إنني لم ألبس القفازات عندما كتبت الحقائق، ولهذا تم إقصائي.
القاضي: لكن أفكارك تغيرت 90 درجة.. كيف تفسر ذلك؟
جارودي: عندما منحت جائزة الملك فيصل قلت إني دخلت الإسلام حاملا بيدي الإنجيل وباليد الأخرى كتاب (رأس المال) لماركس.. وإنني أؤمن بالأديان التوحيدية الثلاثة، فما معنى التحول في آرائي؟
القاضي: ألا تعتقد بأن التسلح بالعداء للصهيونية يخفي وراءه العداء للسامية؟
جارودي: إن النضال ضد السياسة الصهيونية لدولة إسرائيل التي هي الغذاء الوحيد للموقف العدائي ضد السامية يؤلف جزءًا من نضالي ضد اللاسامية. لقد قلت واكرر هنا: اليهودية دين أحترمه ولكن الصهيونية إيديولوجيا أحاربها.
أيها العرب
أرونا إسرائيلي واحدا شهر السلاح في وجه أخيه الإسرائيلي ولستم في حاجة إلى أن نسألكم : كم دماء عربية سالت فوق أرض عربية ؟ في المشرق و المغرب العربي و لأتفه الأسباب و لفساد النفوس و لأطماع البشر. فيأخذنا الحماس و نثار بسهولة... و يحدث الصراع. هل نتربص لبعضنا البعض ؟ وهل ننتظر خطا الآخرين لنبرر أخطأنا... فالعروبة أصبحت شيء يخزي والنتيجة تفاخر بانجازات سابقة وجمود الانجازات الحالية.
و أخيرا
ليس من حقنا أن نطمع في نصر الله و نحن أشتات... و ليحقق اليهود حلمهم من الفرات إلى النيل ليس لأنهم جديرين بالنصر و لكن لأننا جديرين بالهزيمة.. فهم يخططون ونحن بلا أهداف.
لا يكون النصر إلا بإصلاح ما بيننا و بين الله وما بيننا و بين أنفسنا، و ذلك لن يتحقق بالخطب الجوفاء والاهتمام بالمظاهر و لكن بصدق النوايا و تصفية النفوس.
المصادر
كتاب اليهود قادمون للأستاذ محمد عبد العزيز منصور
كتاب علم نفس قرآني جديد للدكتور مصطفى محمود
موقع باب دوت كوم
موقع إسلام واى