المفتاح السحري           

 المحرر : سمية محمد بدرى

 

المشهد يملأ الآفاق غيوماً يكاد يغيب معها نور الحياة ، تشدو فيه الطيور لحناً حزيناً .. بل غريباً ، وكيف لا يغدو ذاك حالها وكل ما يملأ عليها حياتها وواقعها لون جديد وغريب على حالها .. لقد فَقَدَت مع ذاك اللون الجديد حريتها وكبّلتها قيود ذل واقعها وصارت أسيرة لذاك اللحن الحزين الذى لا يفارقها ..

في ظل واقع كهذا ؛ يتأمل الإنسان حاله ، يتحسس جوارحه بين عشية وضحاها ليتأكد من استمرار وجوده على هذه الأرض ، ثم يبدأ يفكر من جديد فى رحلة حياته فى اليوم الجديد !!

ومع كل رحلة جديدة فى مسيرة حياته على تلك الأرض تضيع منه جزء من إنسانيته ، تلك التى لم يعد يجد لها المقياس الذى يتحسسها به ليتأكد من حياتها !!

لقد تلونت الأجواء من حوله بكل الألوان إلا لون الإنسانية الحقيقية التى يستطيع فى وجودها اكتشاف حياة إنسانيته أو موتها .

لقد تاه هو فى خضم أعباء تلك الحياة التى يعيشها ، وكذا الآخرون من حوله .

كلٌ يدور فى فلك دائرته تائهاً بين مساراتها ، تطحنه مسؤلياتها ، وتقهره ضغوط مجتمعه وقيود واقعه التى كبّلته داخلياً فمنعته حتى من أن يفكر فى قيوده الخارجية .

فكيف لمن يفتقد معنى الأمن والحرية ومن وراء ذلك كله معنى الإنسانية الحقيقية أن يفكر خارج إطار دائرته ؟!!

إنه يعيش واقعاً أكثر من فيه أسير .. مقهور.. يعيش فقر الحياة الإنسانية ، قدكبّلته قيوده الداخلية عن التفكير فى تلك القيود المفروضة عليه خارج نطاق دائرته.. الذى أصبح لها وحدها أسيراً ، وهذا جزء كبير من سياسة واقع الذل والقهر الذى يعيشه .

فكيف لذاك الأسير الخلاص من قيود الذل والاستبداد التى تملأ عليه حياته اليومية فضلاً عن أن ينادى بها لغيره ويدافع عنها ويدفع من حياته لأجلها .. لأجل حرية لم يذق يوماً طعمها !!

إنّ نظام الذل واحد وإن اختلفت أشكال سياسته ، يعيشها الكثير وإن اختلف لون استجابته .

يتهادى في مراعيه القطيع

خلفه راعٍ ، و في أعقابه كلبٌ مطيع

مشهد يغفو بعيني و يصحو في فؤادي

هل أسميه بلادي ؟!

أ بلادي هكذا ؟!

ذاك تشبيه فظيع ! ألف لا...

يأبى ضميري أن أساوي عامداً

بين وضيعٍ و رفيع

هاهنا الأبواب أبواب السماوات

هنا الأسوار أعشاب الربيع

و هنا يدرج راعٍ رائعٌ في يده نايٌ

و في أعماقه لحنٌ بديع

و هنا كلبٌ وديع

يطرد الذئب عن الشاة

و يحدو حَمَلاً كاد يضيع

و هنا الأغنام تثغو دون خوف

و هنا الآفاق ميراث الجميع

أ بلادي هكذا ؟!

كلاّ… فراعيها مريع . ومراعيها نجيع.

و لها سور و حول السور سور

حوله سورٌ منيع!

و كلاب الصيد فيها تعقر الهمس

و تستجوب أحلام الرضيع!

و قطيع الناس يرجو لو غدا يوماً خرافا

إنما… لا يستطيع! (1)

فسلطة الطغيان – تلك التى تتحكم بكل خيوط حياة الإنسان – لم تدع له من فرصة لتأمل الحال فضلاً عن إجابة سؤاله "إلى أين المآل ؟!" .

فهى تعلم جيدا وكذا تُربيه على سياسة القطيع ، تلك التى لم يُرَ فيها يوماً متمرداً إلا عُودى وكُتب له ولحياته الموت .

ولكن شتان بين موت وحياة !!

إنّ المعنى الحقيقى للحياة يكمن فى الاستسلام الكامل لله ، والعبودية الحقيقية للسيد الواحد فى هذا الكون والتحرر من كل أسياد الأرض الشخصية منها والوضعية وكذا الوهمية .

بل إنّ الحياة الحقيقية للإنسان الخارج عن سرب القطيع تبدأ من تلك النقطة .. الاستسلام الكامل للسيد الواحد والخضوع الوحيد له ، ومعه سيكون دعم السيد الأعلى الذى يجعل من كل لحظة معاناة أو تضحية لذاك الخروج أو التمرد معناها الخاص لدى المسلم .. معنيً ينسى بجمال مساندته ـ سبحانه وتعالى ـ له فيه كل ألوان الظلم والجور والاستبداد ، فلا تعدو أن تكون إلا هباءاً منثورا .

فقد تحرر من قيوده الذاتية .. قيود ملأت عليه رأسه وحياته ..الحقيقى منها والوهمى ، ومن ثمّ كان نصر الله له على تلك القيود الخارجية المفروضة عليه .

ويبقى القانون "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿20﴾ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ قَالُوا۟ سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿21﴾  إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿22﴾ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًۭا لَّأَسْمَعَهُمْ  وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿23﴾ "

إنّ الإتباع الحقيقى لذاك القانون هو الاستجابة القلبية قبل العقلية لما أمرهم الله سبحانه وتعالى به ، وكما وصلهم من نهج نبيهم ’.

إنّ أحد أشكال تلك الاستجابة هي رفض الظلم بكل أنواعه ، بداية من ظلم الإنسان لنفسه ـ بتقييده بالكثير من القيود التى فرضها هو على ذاته ـ وحتى ظلم القيود الخارجية التى فرضها عليها ذل النظام الذى يحكم حياته وحياة الجميع .

وأيضا ً تلك الولاية الواجبة .. التى هى التطبيق العملى لتلك الاستجابة القلبية للقانون ، الولاية للمؤمنين من دون الكافرين(( وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ)) .

" إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة . طبيعة الوحدة وطبيعة التكافل , وطبيعة التضامن , ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشر .
(يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). . وتحقيق الخير ودفع الشر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون . ومن هنا تقف الأمة المؤمنة صفاً واحداً . لا تدخل بينها عوامل الفرقة . وحيثما وجدت الفرقة في الجماعة المؤمنة فثمة ولابد عنصر غريب عن طبيعتها , وعن عقيدتها , هو الذي يدخل بالفرقة . ثمة غرض أو مرض يمنع السمة الأولى ويدفعها . السمة التي يقررها العليم الخبير ،يتجهون بهذه الولاية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وإعلاء كلمة اللّه , وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض .

فلا يكون لهم هوى غير أمر اللّه وأمر رسوله , ولا يكون لهم دستور إلا شريعة اللّه ورسوله . ولا يكون لهم منهج إلا دين اللّه ورسوله , ولا يكون لهم الخيرة إذا قضى اللّه ورسوله . . وبذلك يوحدون نهجهم ويوحدون هدفهم ويوحدون طريقتهم , فلا تتفرق بهم السبل عن الطريق الواحد الواصل المستقيم ."(2)

فإعلان الرفض لواقع الكافرين ، ومن ثم الولاية للمؤمنين هى بداية الاستجابة القلبية والتى يتأتى معها النصر الداخلى والخارجى ، وإلا فسنبقى أسرى أغلال إما هى من صنع أيدينا أو شاركنا فى وضعها حول أيدينا ورقابنا منتظرين لذاك "المفتاح السحرى " الذى سيكون به الخلاص وفك قيود الذل والاستعباد .

1.قطعان ورعاة .. أحمد مطر .

2.تفسير سورة التوبة ..فى ظلال القرآن .


عدد الزيارات : 361

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة_الدين المعاملة

  • جدد نيتك

  • رســالة من الحيـاة

  • زهقان مضايق

  • قاوم نفسك

  • مواعيدك تمام ولا…!!!

  • وشاورهم في الأمر

  • الحياء خلق الإسلام

  • التكافل ضرورة شرعية

  • العدل أساس الملك

  • تهادوا ... تحابوا

  • اللى خلقك مش حينساك.....

  • دعوة للحب بس بشرط

  • رحلة حب

  • الرفق أساس الحياة

  • أحسن ظنك ...يطمئن قلبك

  • عقيدة الروح

  • غربة رسالة

  • دعوة للحياة فى ظلال القرآن

  • الحلم سيد الأخلاق

  • الرضا...جنة الدنيا

  • وما صبرك إلا بالله

  • أقـــــوال أعجبتني

  • مراجعات ذاتــــيـــــة

  • متعة العطاء

  • بين ظلمة اليأس ...ونور الأمل

  • السفور رذيلة

  • لمن يبغى النجاح

  • اشمعنى أناااا؟؟؟؟

  • معاً على خطى الحبيب

  • ابدأ بنفسك

  • مناجاة القلوب

  • إنها قصة حبي

  • اقرأ ..... نعم أنا بقارئ

  • أيوة طبعاً حسنة و أنا سيدك

  • وأقبل الضيف..

  • متطوعة في التأمين الصحي

  • من الفائز؟

  • وبالوالدين إحسانا

  • شريك حياتي

  • خلاف أم اختلاف

  • تربية الأبناء

  • إنما الأعمال بالنيات

  • ثقافة الاختلاف

  • كن قدوة _ حوار طفل مع أسرته

  • هكذا يجب أن يكون دعاؤنا

  • وفى المنع حكمة

  • المزيد.......
    التعليقات :



    الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق