أين ذهب مذاق السكر ؟           

 المحرر : منار ممدوح عقل

 

في صباح اليوم طلب منى والدي كوباً من الشاى

في الحقيقة لم يكن طلباً مستغرباً أو نادراً بل كان عادياً جداً و اعتيادياً جداً جداً .... ويطلبه والدي كل يوم تقريباً ...و منذ أعوام كثييييييييرة مضت ..... قمت بعمل الخطوات التقليدية لإعداد الشاي

أولا كان يجب أن احضر الماء الساخن .

ثانياً احضر كوباً مناسباً نظيفاً برّاقاً كما يحبه أبى .

ثالثاً ...اخطر مرحله مرحلة ضبط المقادير ...ملعقة شاى صغيرة ممسوحة ...و ملعقة سكر صغيرة غير ممتلئة

مرت مرحلة وضع ملعقة الشاي على خير ...و تناولت ملعقة السكر الصغيرة و أخذت اقلل من كميتها قليلاً ثم انظر لها ...لا لا ليس هكذا يجب أن تكون ممتلئة قليلاً عن هذا ....

ياااه امتلأت زيادة يجب أن اقلل منها مرة أخرى و يجب أن أكون حذرة هذه المرة

و أخذت أزيد و اقلل من مقدار السكر على الملعقة الصغيرة بضعة مرات حتى أصل للشكل المناسب و المطلوب كي لا يغضب بابا

ثم توقفت فجأة عن فعل هذا ...لأنني فجأة تذكرت

 

نعم تذكرت ...تذكرت أول فنجان من الشاي صعنته لأبى في حياتي  

لا أدرى هل كان عمري 8  سنوات أم 9  سنوات و لكنى ربما أتذكر أنني أخذت ألح على أمي لأحظى بهذا الشرف لمدة عامين قبلها  

ياااااااااااه ...عامين من الإلحاح على أمي كي احظي بفرصة إعداد فنجان الشاي لأبى

لابد أنني كنت أسعى  وقتها لطلب شئ هام جداً و بالغ الأهمية بالنسبة لي ...و فيما يبدو أن والدتي كانت تشعر بأنه شئ خطير ...يجب أن أتمرن عليه جيداً و كثيراً ...و يجب عدم التعجل في ذلك

نعم إنها محقه فإشعال البوتوجاز أو وضع الفيشة في الكهرباء للحصول على ماء ساخن أمر خطير على الأطفال

الإمساك بزجاج الفنجان أو الكوب أمر خطير أيضا ...فما بالكم بالإمساك به و هو بداخله مشروب ساخن شديد السخونة

و ما لا يقل أهمية أو خطورة عن كل هذا هي مرحلة وضع المقادير بعناية في فنجان الشاي كي لا يغضب بابا  

بصيت حواليا ...إيه ده ...د أنا كنت سرحانة...فقت من سرحاني لاقيتني واقفة في مكاني أمام كوب الشاي و ما زالت ملعقة السكر الصغيرة في يدي و لكن كان هناك شيئاً جديداً قد زاد عندما عدت بعقلي من رحلة الذكريات

 

لقد كانت هناك ابتسامه جميله بعرض 15 سم على الأقل مرسومه على ملامح وجهي و فوق شفتاي  قلبت السكر سريعاً و قدمت لوالدي كوب الشاي

و معه قدمت لأبى تلك الابتسامة التي لم تتغير بعد أن عدت من رحلة الطفولة تماماً كما لم تتغير فردة حذاء سندريلا السحري بعد الساعة 12 مساء كما في الأسطورة

لقد ساعدني بقاء تلك الابتسامة معي على العودة مرات ومرات لهذا العالم الجميل بعد ذلك في رحلات قصيرة كلما لامست يدي الأشياء أو كلما ذهبت لمشاوار و جلست في وسيلة المواصلات أحملق في الطريق و أتأمل أحوال البشر 

فتذكرت من ضمن ما تذكرت أنني في طفولتي كنت استخدم قوالب السكر بدلاً من السكر العادي ...نعم لقد كنت أحبها كثيراً

...عندما كنت بالصف الأول الابتدائي كنت أضع ربع قالب سكر مع ربع قرص أسبرين في نصف كوب ماء ثم اسقي بهم وردتي الحمراء كي تحتفظ بنضارتها بضعة أيام

كذلك كنت أحب أكل قالب من السكر يومياً ياااااه تذكرت مذاق السكر على لساني الآن ...و الفرحة و الحمرة التي كانت تملأ وجنات الطفولة بهذه اللحظة ...كل يوم

كان هذا يغضب والدتي لأنها كانت تخاف على أسناننا الصغيرة...بيني و بينكم لم تكن تغضب من قالب واحد و لكن الأمر لم يكن ينتهي عند قالب واحد أبدا  

كما كنت أضع قالب من السكر أيضا لعصفورتي الجميلة ...لكن منقارها الصغير كان يتناول منه القليل جداً ..لذلك فقد كان يكفيها القالب لبضعة أيام

و أكثر مرة أحببت فيها السكر القوالب عندما اصطحبونا في زيارة لأحد مزارع الخيول و وضعوا السكر في يدي الصغيرة و أكل منها الحصان السكر ...اللـــــــه كانت لحظه رائعة جداً لم انسها لليوم

------------ ---------

أين ذهب هذا الإحساس الجميل بالأشياء ؟؟؟؟؟؟؟...و هذه الفرحة و السعادة الغامرة التي كانت تملأ قلوبنا الصغيرة مع كل و أي حاجه بسيطه بنعملها كل يوم و مع كل الناس

أين ذهب مذاق السكر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

لماذا أصبحنا نتقاسم سعادتنا بالأشياء معهم هم بالذات

معهم فقط نشعر بقيمة الكلمات

معهم فقط تمر سريعاً جداً أطول الساعات

معهم نحب الرحلات

معهم فقط نحب جداً ما نعطيه مهما كان كبيراً و نسعد بشده بما نأخذه مهما كان بسيطاً

حتى لو كان قطعة صغيرة من الملّبس أو البونبون

معهم نستعيد الطفولة ...بهجة الطفولة ...صفاء الطفولة ...سعادة الطفولة ...و ضحكات الطفولة

معهم فقط نتقاسم إسرارنا الطفولية و مشاعرنا البريئة ... التي كنّا نحكيها بعفويه و بساطه فقط... للبحر و للقمر و للأشجار و الطيور و الأشياء

فنعود بسببهم لروح الطفولة ...و نستطيع بهم أن نعود لتقاسم السعادة مع كل المحيطات مهما كانت متكررة و يوميه و معتادة

لماذا أصبحنا ننتظرهم همْ فقط ليضعوا على ألسنتنا مذاق السكر ؟؟؟؟؟

لمّا كنّا صغيرين كنّا بنعرف نشتري لوحدنا كل شوية بمصروفنا الصغير حب و سعادة و ضحك من عند بتاع الحب و السعادة و الضحك ...مكنّاش بنستناهم

من هُم ؟؟؟؟ ..

إنهم المخلصين بحياتنا و المحببين لقلوبنا دوناً عن غيرهم

ليس لهم صفة معينه فصفتهم تتغير بتغير الأفراد ...

فهم ...قد يكونوا بالنسبة إليك ...صديقك الوحيد

و همْ ....بالنسبة إليها قد يكون الخطيب أو الزوج

و همْ ... بالنسبة لآخر قد يكون احد الأقارب المفضلين

و بالنسبة لأخرى قد يكون أخ حنون

و بالنسبة لي مثلاً أبى و أمي

و هكذا

إنهم يتنوعون و لكنهم في النهاية لكل منّا فرد واحد أو فردين على الأكثر

إنهم قطعاً يستحقون ذلك ( أعنى أن ننتظرهم لنشعر معهم وحدهم بالسعادة و الضحكة

و بوجودهم هم فقط في حياتنا نستطيع أن نمنح هذه الضحكة و تلك السعادة للآخرين جميعاً ) ...إنهم طاقة حياتنا

و لكنى في الواقع اعتقد أنهم يستحقون ما هو أجمل من ذلك 

فلو امتنعنا عن السعادة اللا في وجودهم ...فسنمنحهم عند لقائهم سعادة عاديه و حباً عادي

و لكنهم يستحقون حب اكبر من الحب... و سعادة أكثر من السعادة و ضحكات ذات مذاق مختلف  

و نحن أيضا نستحق ما هو أجمل

جميعنا نستحق ...ابتسامة دائمة

 

و إحساس دائم بطعم الأشياء ....فهم موجودين أو غير موجودين ...إنهم في الحقيقة دائماً موجودين ...و لكننا نحن من فقد سر الطفولة

ببساطه معدناش عارفين طريق دكان بتاع الحب و الضحكة و السعادة

مش المصروف هو اللي كان بيشتري لنا شوية ضحك و حبة سعادة

لكن

وإحنا أطفال كنّا عارفين إن اللي بيدينا الضحكة هو الله

و إن اللي خرّجنا الفسحة الجميلة قوى دي هو الله

و إن اللي خلى بابا يجيب لنا فستان العيد ..هو الله

و اللي بيرزقنا الأكل الجميل اللي بتطبخه لينا ماما كل يوم هو الله

و اللي خلانا ننجح في الامتحان بعد المذاكرة و التعب هو الله

كنّا فاهمين ببساطه إن الله موجود طول الوقت و إن هو اللي بيبعت لنا كل الهدايا الجميلة دي طول الوقت 

 عشان كده بنصلي له كل يوم و نشكره كل يوم على كل حد جميل في حياتنا و كل حاجه حلوة في حياتنا

عشان كده كنّا بنقدر نبقى سعداء طول الوقت

و هو ده اللي نستاهله و يستاهلوه مننا كل الناس اللي بنحبهم

 اسمحوا لي في أيام تتنفس برائحة الحب  

 أوجه لكم و لنفسي قبلكم دعوة مخلصه للحب اللي بجد ...الحب اللي بيتخلق ف قلوبنا و بيشرق كل يوم الصبح مع كل صلاة فجر من قلوبنا

 فيشع نوره على وجوهنا و كل الوجوه المضيئة التي نلتقيها في الحياة

 و يطير يميناً و يساراً فيلامس كل القلوب

وقتها سنستطيع أن نحبهم أكثر ..من همّ ؟؟؟؟؟

..إنهم المخصوصين في حياتنا كلٌ حسب صفته لنا    

إنهم يستحقون ذلك .....يستحقون حب اكبر من الحب و سعادة أكثر من السعادة و ضحكات ذات مذاق مختلف  

يعني دايماً ....حنضحك لكل ضحكة بتصادفنا على وش طفل كل يوم في زحمة المواصلات

حنقدر نحس بجمال الورود في محلات الورود اللي بنشوفها في طريقنا كل يوم و احنا رايحين للعمل أو للدراسة زهقانين  

حنقدر نسمع برغم كل شئ زقزقة العصافير اللي بتصحينا كل يوم الصبح و إحنا مش واخدين بالنا

و حنقدر برده نفضل نفرح بكل كوب شاي نعده لبابا في الصباح...و كأنه أول فنجان شاي بنعمله في حياتنا

و برغم كل شئ ..حنقدر نفضل محتفظين بمذاق السكر الذي كانت تضحك له

طفولة قلوبنا و تحمر معه وجناتنا الصغيرة

 

أشوفكم على خير

 

 


عدد الزيارات : 621

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • أما آن لموتى القبور أن يستيقظوا؟!!

  • الفرار

  • الجسد

  • العار

  • مباراة متوازنة جداااااااا

  • صدر الحكم يا سادة

  • الطير المهاجر

  • إنا لله وإنا إليه راجعون

  • يا رسول الله

  • خواطر من يوم أكتوبر

  • ترنيـمة الغربــاء

  • التجربة المخيفة _ الجزء الأول

  • التجربة المخيفة _ الجزء الثاني

  • دروب الوهم والأمل

  • شـــــذرات

  • مع كل رشفة صباحية

  • قصيدة الحب روض بابه الإخلاص

  • صاغها الفؤاد وقالها اللسان

  • رحلة إلى مدينة البالونات

  • الحب الحقيقى

  • أنـــا الفاتــنة

  • عمر ذات الثالثة عشر عاما يدرس في الجامعة الأمريكية

  • قصيدة مثل أسلافهم

  • ذكرى موت القلوب

  • قصيدة إلى متى ؟؟

  • شاب عراقي يحل لغز أرقام برنولى

  • الـــــغــــراب

  • في موقف الأتوبيس

  • إرادة حديدية

  • القرش

  • تخيل

  • مستشفى 57357

  • امسك العصابة

  • ياريتنى أكون

  • الإرهابي

  • آه يا قلبي

  • هذه هي همة الصغار ... فأين منها همة الكبار؟

  • انا هى تلك الفتاة

  • ما زالوا يطرقون ابوابنا

  • مصر هتتغير بأيدينا.. تجربة رائعة لمواطنة مصرية

  • رجب و موسوعة جينيس

  • وصل صوتك مهما كانت الضغوط

  • رمضان بالمغرب

  • بأي جديد جئت يا عيد!!

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • نرمين     اعدتيني بمقالك هذا الى احساس الطفولة

    مقال اكثر من رائع رجعني لطفولتي جميل ان تصرفتنا تكون بسيطة
  • نوران     كلمات اكثر من رائعة

    أوجه لكم و لنفسي قبلكم دعوة مخلصه للحب اللي بجد ...الحب اللي بيتخلق ف قلوبنا و بيشرق كل يوم الصبح مع كل صلاة فجر من قلوبنا

  • الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق