في موقف الأتوبيس           

 المحرر : أمانى ربيع

 

أول يوم تدريب لي في الصحافة لم ينتبه لي احد أنا أو اى من زملائي في المكان الذي كان أشبه بخلية نحل  كان زملائي يحاولون تحسس طريقهم منهم عن طريق سيجارة ومنهم من استعان بطريقته اللذيذة المرحة في التعامل مع الموجودين بينما جلست أنا في صمت أحاول التأقلم وتحضير ذهني للخطوة القادمة ترى ماذا سيطلبون منا ؟ كنت اعد نفسي لمقابلة رئيس التحرير لكن يبدو أن هذا منشغلا ولن يقابلنا لكن قابلتنا سكرتيرته بلطف وأخبرتنا أن  الصحفي المسئول عن تدريبنا لن يحضر اليوم  شعرنا بالإحباط بينما شعرت أنا بالفرحة لأنى لم أكن مستعدة بعد لكنها استطردت قائلة ولكن رئيس التحرير كلفكم بإجراء تحقيق عن القاهرة كما ترونها بأحيائها ومرافقها وناسها بورتريه معاصر للقاهرة وتم تقسيمنا إلى مجموعات على كل مجموعة أن تتجه إلى حي معين وتدرسه وتقدمه وكان الميعاد بعد ثلاثة أيام شعرت مزيج من الخوف والفرحة وشعرت كذلك بالضياع فانا لم أتعود اللف في الشوارع أو على المواصلات ولكن طماننى أن زميلي الشاب يعرف هذه الأمور جيدا مما لن يشكل عائقا امامى

كنا أربعة مكلفين بالنزول إلى حي المعادى جلسنا واتفقنا على النقاط الأساسية وكلف كل واحد منا بمنطقة معينة من الحي وانطلقنا على أن نلتقي بأحد مقاهي وسط البلد لنرى ما الذي وصلنا إليه حسنا يبدو أن مخططي في البقاء مع هذا الزميل الذي يعرف كل شئ باءت بالفشل وعلى أن انطلق وحدي نزلت من الجريدة وقلبي في فمي ومعدتي تؤلمني وأثناء سيرى انتبهت لحقيقة غريبة اننى لا انظر حولي أبدا ولا اعرف معالم الشوارع حولي كنت قد تقمصت دور الصحفية وبدأت روح الموضوع في التسلل إلى فبدأت انتبه للشوارع والبيوت والمحال والناس حتى قبل أن انطلق للمعادى وسرت حتى موقف الأوتوبيس وهناك  شعرت وكاننى أرى القاهرة للمرة الأولى كنت تعودت على شوارع وسط البلد أو المعادى الهادئة والراقية نسبيا لم اسر بمفردي لاماكن شعبية أو عشوائية لانى قليلة النزول إلى الشارع أساسا فكانت هذه بالنسبة لي كتجربة أولى في المشي خائفة من الزحام ومن التحرش الذي اسمع عنه ومن الحر والخنقة ومن أن أتوه لكنى تشبثت بحقيبتي وبورقة وقلم في يدي ولم اتجه إلى المعادى مباشرة توقفت عند هذا الموقف الذي شعرت انه يمثل لي القاهرة بأكملها فجلست على احد المقاعد وكتبت " بدت القاهرة لي وكأنها مفرمة تأكل لحم الغلابة والبسطاء من ساكني الأرصفة ومقالب القمامة  ومريدي مداخل المترو ومواقف الاوتبيسات من المتسولين واستوقفني طفل صغير برئ المظهر خبيث العينان اخذ يلح على أن اشترى من علبة مناديل ويتمسكن بينما المح في عينيه ابتسامة شقية كان وجه متسخا يلوثه المخاط وقان قذرا مبعثر الثياب قصيرا مدكوكا ولكن عيناه كبيرتين ممتلئتان شقاوة وطفولة لم اخذ من شيئا وعطيته ما فيه النصيب فخطفه خطفا وجرى بعيدا واتجه إلى محل لعصير القصب وشاهدته يطلب كوبا صغيرا شربه في نهم لا ادري لم لم تفارق صورة هذا الطفل خيالي بطفولته المختبئة وراء المظهر الرث وأخذت أتخيل مظهره لو حممته و ألبسته ثيابا جديدة ثم انتبهت إلى انه ليس وحده وان مثله المئات بل الآلاف  كل هذا شكل حاجزا بيني وبين الوعود البراقة والوجوه الرائقة الشبعانة للمسئولين

أطفال أم أقول ناس الشوارع رجال ونساء أطفال فتية وفتيات مراهقين واقع كئيب حائر بين أقلام المبدعين وأجندات المسئولين أننا نكتب آلامهم ونبيعها في مسلسلات وأفلام يتابعها الناس ثم ينصرفون عنها حامدين الله على ماهم فيه ثم ينسون كل شئ بعدها يحقق الممثل الشهرة ويحقق الصحفي السبق ويحقق المشاهد أو القارئ الرضا عن نفسه وحاله بينما أصحاب المأساة يعيشون في المأساة إننا نبيع آلامهم ودموعهم لتبقى لهم بعد ذلك آلامهم ودموعهم " انتهيت عند هذا الحد وطويت الورقة وعدلت عن ركوب الأوتوبيس واتجهت للمترو للذهاب إلى وجهتي ربما أحقق شيئا قبل ميعاد اللقاء مع زملائي............


عدد الزيارات : 505

Share

مقالات ذات صلة :
  • مقدمة

  • أما آن لموتى القبور أن يستيقظوا؟!!

  • الفرار

  • الجسد

  • العار

  • مباراة متوازنة جداااااااا

  • صدر الحكم يا سادة

  • الطير المهاجر

  • إنا لله وإنا إليه راجعون

  • يا رسول الله

  • خواطر من يوم أكتوبر

  • ترنيـمة الغربــاء

  • التجربة المخيفة _ الجزء الأول

  • التجربة المخيفة _ الجزء الثاني

  • دروب الوهم والأمل

  • شـــــذرات

  • مع كل رشفة صباحية

  • قصيدة الحب روض بابه الإخلاص

  • صاغها الفؤاد وقالها اللسان

  • رحلة إلى مدينة البالونات

  • الحب الحقيقى

  • أنـــا الفاتــنة

  • أين ذهب مذاق السكر ؟

  • عمر ذات الثالثة عشر عاما يدرس في الجامعة الأمريكية

  • قصيدة مثل أسلافهم

  • ذكرى موت القلوب

  • قصيدة إلى متى ؟؟

  • شاب عراقي يحل لغز أرقام برنولى

  • الـــــغــــراب

  • إرادة حديدية

  • القرش

  • تخيل

  • مستشفى 57357

  • امسك العصابة

  • ياريتنى أكون

  • الإرهابي

  • آه يا قلبي

  • هذه هي همة الصغار ... فأين منها همة الكبار؟

  • انا هى تلك الفتاة

  • ما زالوا يطرقون ابوابنا

  • مصر هتتغير بأيدينا.. تجربة رائعة لمواطنة مصرية

  • رجب و موسوعة جينيس

  • وصل صوتك مهما كانت الضغوط

  • رمضان بالمغرب

  • بأي جديد جئت يا عيد!!

  • المزيد.......
    التعليقات :


  • ريمة     قصة جميلة

    عجبني اووي مقالك يا اماني خلتيني اعيش الموقف كاني كنت معاكي.. استمري وانتظر قراءة مواقف اخرى لكي
  • هدى محمد     لو بطلنا نتكلم نموت

    وتفتكرى بعد اللى كتبتيه للالم والدموع انتهوا لو عشان مفيش حاجة بتتغير بطلنا حتى نتكلم هيتبقالنا ايه لازم نتكلم عشان منطقش لو بطلنا نتكلم نموت والانسان حيوان متكلم
  • نوران     عندك حق

    فعلا يا امانى حال البسطاء بقى قصة يتكتب عنها او مسلسل نشاهده او فيلم نتفرج عليه...و بس لكن امتى نقدر نشوف الواقع و نغير فيه؟؟؟
  • اماني ربيع     رد

    ياهدى ما احنا بنتكلم اهو هو احنا لينا حاجة غير الكلام بس انا اقصد كفاية كلام ولازم يبقى فى فعل حاجة تغير بجد

  • الاسم
    البريد الالكتروني
    العنوان 
    التعليق