نعم , الاثنتى عشرة نقطة التى توسطت عنوان المقال كافية للفصل بين الحدثين بعينين يملؤها مزيج من الذهول والغضب ....... والدموع , تابعته وهو يغلق باب بيتهما الصغير بعنف شديد كاد يتحطم على إثره الباب , وتابعت أذناها وقع أقدامه وهو متجه نحو سيارته , ومن ثم سمعت صرير إطاراتها التى كادت تصم أذنيها , وعلى الرغم من أن عينيها لاتزال معلقة بالباب , إلا أن عقلها ذهب بعيداً , هناك فى الجامعة حينما التقيا فى أحد المدرجات , ومنذ الوهلة الأولى وقعا فى " الحب " . شاب وسيم من أسرة ميسورة خفيف الظل يحب المرح أنيق تتهافت عليه الفتيات , هى فتاة " ستايل " جميلة رقيقة روحها منطلقة , تؤمن وتستمتع بمبدأ " الحرية " التى منحتها لها أسرتها " الكريمة " لذلك هى لا تخشى شيئاً ولا تخجل من شيئٍ .
وبسرعة تعرفا إلى بعضهما البعض , وبسرعة تعلقا ببعض أكثر فأكثر , وفجأة " يالا نتجوز " ... !
ليه لأ ؟, كل شيئ تمام وكل شيئ مدروس - على رأى عادل إمام – وكل شيئ تحت السيطرة.
أقيمت الاحتفالات الصاخبة , وكانت حقاً ليلة العمر , الكل فَرِح .... الكل يأكل ويشرب .. يلهو ويرقص .
العريس والعروس فى منتهى السعادة والنشوة .
أصبحا فى بيتهما , يا لها من سعادة لا توصف , أخيراً الحبيبان مجتمعان .
مر يوم
مر يومين
ثلاثة
أسبوع
شهر
مبروك " المدام حامل "
سعادة غامرة , أخيراً سنصبح أبوين.
ثم .... أين الغداء ؟ " معلش يا حبيبى كنت تعبانة "
ثم ..... هل ستتركنى وتنام ؟ " معلش يا حبيبتى أصل كان عندى ضغط فى الشغل "
ثم ..... أين كنتى ظهر اليوم ؟ " معلش يا حبيبى أصل ماما اتصلت بيا , كان عندها ظروف اضطريت أروحلها "
ثم ...... أين قضيت ليلة أمس ؟ " معلش يا حبيبتى كان واحد صاحبى عمل حادثة فاضطريت أقعد معاه "
ثم ...... ثم ...... ثم.......
وبدأت تتهاوى الأقنعة , الحب حل محله الحيرة , الثقة حل محلها الشك , الإيثار حل محله حب الذات , التماس الأعذار حل محله سوء الظن.
وكما بدأت القصة بسرعة , انتهت بسرعة
"يالا نتطلق " , هكذا ببساطة شديدة .
" إليك ما تريدين .... أنت طالق "
أفاقت على صريخ رضيعها الذى تحتضنه .. نظرت إليه , بنفس العينين إلا أنه أضيف للمزيج ...... الشفقة.
قد يظن القارئ للوهلة الأولى أننى بالغت فى ذكر أسباب الطلاق.
إلا أننى أقول لكم إن ما ذكرته هو حدث واقعى , وليس من نسج الخيال.
المشكلة ليست فى تلك الأسباب " التافهة " , إنما المشكلة تكمن فى " تفاهة " هذين الزوجين – وسامحونى على استخدام هذا التعبير.
المشاكل الاجتماعية ليست من اهتماماتى , إلا أننى - وبعد أن شاهدت أربع حالات طلاق بين المتزوجين حديثاً ( أقل من سنتين ) فى محيط معارفى المباشرين أو معارف معارفى وذلك فى التسعين يوماً الماضية – وبعد هذه الإحصائية " المرعبة " وجدت أنه يجب أن أفعل شيئاً , وإن كان مجرد مقالاً أكتبه أعبر فيه عن رأيي.
إن المشكلة تكمن فى الانتكاسة الرهيبة التى حدثت فى مفهوم الزواج , فلم يعد الزواج رباط مقدس تحكمه قوانين إلهية واجتماعية وعرفية فى جو تسوده المحبة والوفاء والمسئولية المشتركة بين طرفيه , إنما أصبح رباط الغرض منه هو الاستمتاع ثم الاستمتاع ثم الاستمتاع ..... وخلاص!
لذلك , تبدأ المشكلة عند اختيار الشريك , فكل طرف لم يعد يهمه من الطرف الآخر هل هو مستعد لتحمل أعباء الزواج وقدسيته أم لا , إنما المهم هل سأستمتع به أم لا ؟ فأصبح المعيار فى اختيار شريك الحياة هو الجمال " و أحياناً الكمال " الحسى الجسدى , سواء كان شكلاً أو مالاً أو ما إلى غير ذلك من الأمور التى تجعله أو " تجعلها " تقول للأصدقاء " شوفتو جوزى ؟ , عندكو زيوه " , نعم , أصبح المهم أن الأصدقاء يرون أننى الأفضل , فياله من نصر مبين !
والمحزن فى الموضوع أن من تلك الحالات الأربع هناك من هم " فرضاً " ملتزمون !
ولكن – وعلى رأى واحد صاحبى – " شيخ تايوانى ! "
يحفظ قول الله تعالى " فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن " , ولكنه يعمل " فاضربوهن واضربوهن واضربوهن " , مع أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام , ما ضرب بيمينه قط إلا فى سبيل الله !
يضع نصب عينيه " فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " وينسى – أو يتناسى- " ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف " و " عاشروهن بالمعروف " و "استوصوا بالنساء خيراً ".
لا أريد الإطالة عليكم والخوض فى تفاصيل أكثر ,ولكنى أناشد كل زوج وكل زوجة وأقول.. الأسرة هى " وحدة بناء " المجتمع , فكل ما نراه من فساد فى مجتمعنا الإسلامى هو إنعكاس لما يحدث فى الأسرة , فاتقوا الله أولاً فى أنفسكم ثم فى أبنائكم ثم فى مجتمعاتكم , اتقوا الله فى دينكم , وكونوا على قدر المسئولية , فقد منّ الله عليكم بنعمة عظيمة , فاحفظوها واشكروه عليها , وتعلموا من نبينا صلى الله عليه وسلم , اقرءوا كيف كان يعامل نساءه - بأبى هو وأمى صلى الله عليه وسلم , انظروا إلى حبه لعائشة رضى الله عنها وإخلاصه لخديجة رضى الله .
من يقرأ مقالى هذا لا يخلو من أن يكون واحداً من أربعة , إما متزوجاً سعيداً , وإما متزوجاً غير ذلك , وإما مقبلاً على الزواج وقد اختار شريك حياته وإما لم يقبل على الزواج إما لعدم تيسر الظروف وإما لفقدانه الأمل !
أما المتزوج السعيد فأقول له , هنيئاً لك جنة الدنيا ,نعم والله , هى جنة الدنيا.
وأما المتزوج غير السعيد فأقول له , إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , ابدأ بنفسك وأعد النظر فى حياتك فكل شيئ قابل للإصلاح , ولكن عليك أن تجد الطريق الصحيح.
أما الذى اختار شريك حياته فأرجو الله أن يكون وُفِّق فى اختياره وإلا فعليه ن يعيد النظر فى هذا الشريك أو لا يلومن إلا نفسه.
أما من لا يزال يملك الخيار فاستعن بالله , واسأله أن يوفقك للشريك الذى يعينك على طاعته والذى يتق الله فيك.
وأذكِّر الجميع بحديثى النبى صلى الله عليه وسلم " اظفر بذات الدين تربت يداك " , و" إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " , فهذا هو المقياس , فالدّيّن إن رضى أكرم وإن لم يرض لم يظلم.
وأخيراً " احذروا التايوانى "