منذ بداية تاريخ البشرية على وجه هذه البسيطة لم يسجل التاريخ جريمة أبشع وأفدح وأقبح بعد جريمة الشرك بالله من جريمة ظلم الإنسان لأخيهالإنسان ... جريمة قتله وإزهاق روحه وإهدار كرامته ومصادرة حريته والعبث بحياته... كان ذلك منذ قصة ابني آدم عليه السلام هابيل وقابيل يوم أن طوعت لأحدهما نفسهقتل أخيه.. فترك لشيطان نفسه وهواها الحبل على الغارب واستحوذت على كل تفكيرة تلكالفكرة الغريبة العجيبة فقتل أخاه فأصبح من النادمين وفي الاخرة من الخاسرين.... ومنبشاعة وفداحة هذه الجريمة ومردودها الأليم على الحياة البشرية أن الله عز وجل حرمالظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما كما ورد في الحديث القدسي "" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلاتظالموا".ولا يمكن أن تستقيم الحياة البشرية ولا أن يعمر الإنسان هذه الأرض كما أراد الله اذاتفشى الظلم بين الناس حتى يغدو من عاداتهم وطبائعهم لأن الظلم ضد نواميس الحياةوضد سنن الله التي أودعها في كونه ... ولذلك ما من أمة من الأمم السابقة على مدىالتاريخ بغت وطغت وظلمت واستفحل فيها هذا المرض العضال دون أن ترتدع وتعود إلىرشدها وفطرتها إلا عجل الله بهلاكهاوزوالها وقطع دابرها وجعلها عبرة لمن جاء بعدها من الأمم.
والنفوس بطبعها تميل إلى الهوى والسوء ولذلك جاءت رسالاتالسماء لتكبح جماحها وتلجمها وتردعها حتى تستقيم موازين الحياة وتستمر الحياةويعمرها المجدون المخلصون ... ورغم كل النهايات الأليمة للأفراد والأمم السابقةواللاحقة عقابا لها على غرورها وظلمها وغدرها وبطشها إلا انك لتعجب كل العجب كيف يأبىكثير من الناس إلا أن يحملوا هذا الوزر الثقيل والعبء الضخم غير عابئين بالوعيدوالتهديد وكأني بهم كما قال نوح عليه السلام في قومه " وإني كلما دعوتهمجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا".عجبالهذه الطبيعة الشاذة للنفس البشرية التي خلقها الله في أحسن تقويم فأبت إلا أنتكون معوجة كذيل ...تأبى إلا أن تكون منحرفة في طباعها وأهوائها وفي مسيرتها فيهذه الحياة لأنها من ذوات الطبع اللئيم ... وهذه النفوس الشاذة تتناسى أن ظلمها لنيدوم ولو امتد بضع سنين ... يتناسون أن زمنهم قصير أقصر مما يتصورون وسيدركون بعدحين أنهم خائبون وعلى أفعالهم الشنيعة محاسبون وعلى ظلمهم للعباد معاقبون وكما قال رب العالمين " وقد خاب من حملظلما"
وللظلم اشكال والوان ويأتي بألف لبوس ولبوس كما هو الحالبالنسبة للإستعمار الظالم الذي جثم وما يزال يجثم على صدر هذه الأرض العربية هذاالإستعمار الذي جاس خلال الديار وطمس الهوية واستباح الدين والعرض ونهب الثرواتوأفسد النفوس وترك الأرض العربية قاحلة يباب مثقلة بالهموم والتخلف والفقر والجهليفوح من أديمها الحرمان والبؤس والشقاء... أغتصبها وأهدر كرامتها وسلخها عن ماضيهاوتركها حيرى وعطشى وثكلى ... ومن خساسته ولؤمه لم يرتضي أن يتركها وشأنها بل تركللأمه ميراثه القبيح وأدواته الفاسدة التي تخدم مصالحه وتسير في ركبه فجاءت هذهالأدوات لتكمل ما عجز عنه ذلك الظلم الغريب تارة باسم الإستقلال وتارة باسمالتحرير وتارة بدعوى أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة... حتى وجدت الأرض العربيةنفسها تغتصب مرة تلو الأخرى ويزداد أنينها وألمها وتتغول فيها يد البطش والقهروالإستبداد .. وإذا الأرض العربية تتحول من أوطان أريقت من أجلها أزكى الدماء ليعيشأبناؤها على أديمها وفي رحابها بكرامة وحرية ويحققوا فيها أحلامهم إلى مزارع خاصة يجبىإليها ريع كل شيء في الوطن.
أما آن لهذه الأرض العربية البكر المعطاء أن تنعمبالخصوبة والعطاء والإزدهار وتنبت في ربوعها ووهادها وتلالها وجبالها الرياحين والنرجسوشقائق النعمان والأقحوان.. لماذا عليك يا أرضنا العربية إما أن تكوني قاحلة عقيمةتنبعث منك رائحة الموت أو أن تكوني فقط مزارع لنباتات الحنظل والأشواك .. لمذاعليك أن تتجرعي مرارة العلقم في كل يوم ألف مرة ألا يكفيك أما آن لهذه الأرض العربية أن تلقي بمن سامهاسوء العذاب واثقلها بأوزاره ومظالمه وفساده حتى باتت تئن من عظم هذا الطغيانوأوزاره وناءت بكلكله في جوفها وتبتلعه من رأسه إلى اخمص قدمه يتجلجل في باطنهاحتى يرث الله الأرض ومن عليها.كما فعلت بقارون من قبل ... أما آن لهذه الأرضالعربية أن تتنسم الهواء العليل هواء الحرية والكرامة أم أن عليها أن تكون ثكلىعلى الدوام يفجعونها بزهرات شبابها وورودها...هذه الأرض العربية ألفت البؤسوالشقاء والجوع والحرمان منذ سنين طويلة على ايدي ثلة من أبنائها الذين تنكروا لهاوتنكروا لأديم وجهها المشرق ... تنكروا لثراها الطيب الوضاء فأفسدوا فيها هواءهاوماءها وربيعها ... وما دروا أنه ما من بقعة فيك يا ارضنا العربية إلا وفيها قصةوحكاية مجيدة لأبنائها المخلصين الذين أبوا على أنفسهم أن تدنس أرضهم أقدامالفاسدين والمفسدين وقدموا أرواحهم فداء لهذه الأرض التي احتضنت رسالات السماءومهبط الوحي .
يا أرض الرسالات يا أرض الأنبياء يا بوابة الأرض إلىالسماء ..لماذا حرموك من زهرات شبابك وفلذات أكبادك وجاسوا فيك وخلالك بظلمهموفسادهم وقهروك بعنادهم وأفسدوا فيك وعليك كل شيء ... فلم يسلم من فسادهم البشروالشجر والحجر..كانت وهادك وسهولك وتلالك وجبالك واشجارك وبساتينك تعج بالبلابلوطيور السنونو وكل الطيور تصدح بين جنباتك بأغانيها المعبرة عن أحلامها في مستقبلمشرق ولكنهم أرغموها على الرحيل إلى أرض سواك تبحث عن لقمة عيشها وعن ظل وارفتستظل بها وهي الحزينة على فراقك... لماذا يا ارضنا العربية كثرت فيك أسرابالغربان فحل فيك الخراب واليباب والستنسر فيك بغاث الطير بعدما كنت ماوى للنسوروللصقور
لماذا بربك أيتها الأرض العربية على ابنائك وشبابك الذينشمروا عن سواعدهم ليعمروا فيك مستقبلهم وأحلامهم كباقي الأمم ... لماذا عليهم أنينتحروا .. لماذا عليهم أن يزهقوا أرواحهم ويحرقوا اجسادهم.. لماذا عليهم أنيموتوا حتى يستجدوا منك رغيف خبزهم وحليب أطفالهم وأنت ما أنت عليه من الثراءوالغنى وفي باطنك كنوز أودعها رب السماء والأرض تكفي البشرية جمعاء.. لماذا يا أرضالكرامات خيراتك وثرواتك محرمة على أبنائك لا يستطيعون الوصول إلى إلا الفتات منهبينما هي حلال للطير من كل جنس ... لمذا على هذا الشاب التونسي النحيل أن يموتحرقا وقبل ذلك كمدا وقهرا من أجل لقمة عيش مغموسة بالذل وغيره من اثريائك يا ارضناالعربية يتسابقون ليشتروا هدية بمئات الملايين من عملة بلادهم الغنية ليهدوها إلىابن ولي عهد الإمبراطورية التي قيل ذات يوم أنها لا تغيب عنه الشمس وذلك بمناسبةعيد زواجه... لمذا عليك يا ارضنا العربية أن تكوني شاهدة على هذه التناقضات وهذهالتفاهات ... وانت كنت ذات يوم أرض العدل والإنسانية والرحمة والرخاء لماذا ياأرضنا العربية أرادوك أن تكوني شاهدة زور على ظلمهم وفسادهم وطغيانهم وأنت من أنتلم تقبلي يوما بالضيم والذل والعار وكنت مضرب المثل بالقيم وسمو الأخلاق... أإلى هذا الحد هان عليك أبناؤك ومن رضعوا منثراك حبهم لك لأنك انت أرض الأنبياء وأرض الرسالات لماذا ايتها الأرض العربية ةعلىأبنائك أن يصلوا إلى حافة الجنون والهذيان يكلمون أنفسهم ويسيرون على غير هدى بحثاعن مأوى آمن ولقمة عيش هنيئة ومستقبل واعد ... وأنت فيك كل الخير والخيرات...وملياراتك أتخمت بنوك الدنيا وارصدتها... لماذا يا ارضنا العزيزة ... إمتلات جنباتكبالسجون والزنازين والسراديب المظلمة وأقبية الموت اكثر مما فيك من المستشفياتوالمكتبات العامة ودور البحث العلمي ... وأنت الأرض البكر التي تحتاجين إلى عقولالعلماء والمفكرين والمبدعين ليستثمروا جهودهم وعقولهم في إعمارك واستكشاف كنوزالخير والبركة في بواطنك ليعم السلام على أديم وجهك... ايتها الأرض العربية يا أرضالكرامات .. أما يضيرك أن تري أبناءك يرحلون عنك يطاردون لقمة عيشهم وقليل منحريتهم وكرامتهم ومنهم من يقتل عند الحدود ومنهم من يباع في سوق الرقيق الأبيضومنهم من يكون طعاما لأسماك القرش في عرض البحار والمحيطات هربا من جحيم منارتكبوا بحق أبناءك كل ظلم ظاهر ومستتر ...
يا أرضنا العربية... أما تسمعين آهات الحزن المنبعثة منقلوب الفقراء المظلومين ... أما تشاهدين سحب الدخان المنبعثة من القلوب المحترقةالمكسورة المظلومة... اما تشمين رائحة شواء اجساد شبابك الذين هم كالورود وهم يشعلونالنار فيها احتجاجا على الظلم والقهر والإستبداد... يا أرضنا العربية ... ألاتدركين بأن الظالمين قد جاوزوا كل المدى وكل الحدود... يا ارضنا العربية... فيمكان ما فيك بل وللحقيقة في أماكن كثيرة منك شباب وشابات بعمر الورود كانوايناطحون السحاب بأمالهم وطموحاتهم شطبتهم أيدي الظلم والإستبداد من قيود الولادةوكأنهم لم يطأوا أديم وجهك ذات يوم ... وكانهم ما اسمعوك ضحكاتهم ولهوهم ذات ليلوكانهم ما غبروا أقدامهم الصغيرة بثراك الطاهر.. هكذا شطبوا من الحياة ومن سجلاتالأحوال المدنية لا لشيء إلا لأنهم احبوك وأحبوا أن تكوني أرضا عربية حرة أبية فيهاالخصب والنماء وفيها وعليها تطبق عدالة مالك الأرض والسماء.. يا ارضنا العربية أنتأرض مميزة انت من أنت يا من كنت ملاذ الخائفين ومأوى المذعورين وقبلة العشاقوالشعراء والمفكرين... كنت ذات يوم منارة يهتدي بنورك الحيارى التائهين ذات يومبزغ منك ومن أعماقك نور غير الحياة على اديم وجهك .. إنه نور الإسلام الذي اعادلوجهك نضارته وجدد في أعماقك روح الشباب والعطاء
يا أرضنا العربية ألا يكفيك شرفا وفخرا وتيها أن وطأتكاقدام كل الأنبياء ألا يكفيك شرفا أن هبط عليك وسار على ترابك أمين وحي السماء ...يا أرضنا العربية المباركة أكل بعد هذا الشرف والكرم الإلهي والتكريم الربانيترضين بالذل والهوان ... وتدوسك اقدام الظالمين والفاسدين والمفسدين ... لماذا ياأرضنا العربية ترضين أن يغتصبك شذاذ الآفاق وأعوانهم ويستبيحون عرضك من أدناه غلىأقصاه وأنت خانعة ذليلة لا حول لك ولا قوة .....يا ارضنا العربية هناك من أبنائكمن طغى وبغى واحل كل محرم وحرم كل حلال وتولى في الأرض ليهلك الحرث والنسل والضرع واذاقيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم .... كثر فيك المظلومون وأرتفعت في لياليكدعواتهم انطلقت بها قلوبهم قبل حناجرهم إلى الحي القيوم إلى من لا يغفل ولا يناميشكون إلى الله من ظلمهم يشكون إلى الله تجاوزات الظالمين.. يا ارضنا العربية لماذا يتشابه فيك كل المفسدونالظالمون ... لماذا لا يعتبرون ولا يخافون من نقمة الملك الجبار الذي يملي لهم ثميستدرجهم من حيث لا يعلمون... لماذا لا يتقون دعوة المظلوم التي يحملها الله فوقالغمام ثم يقول لصاحبها " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" .... أمحسبوا ان رب العباد لا يغار على دينه وعباده وأوليائه... أم حسبوا أنهم ملكواالأرض دون حسيب ولا رقيب فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهمالرعب...هؤلاء يا أرضنا العربية ملؤوك جورا وظلما وحسبوا أنهم مخلدون وأنهم سيظلواعلى كراسيهم مدى الحياة كما كانوا يخططون ولكنهم يا حسرة عليهم نسوا أن جبار الأرضوالسماء ليملي للظالم حتى ذا أخذه لم يفلته ... " وكذلك أخذ ربك إذا أخذالقرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"...إن الله الرحيم العادل الجبار المنتقملم يرضى أن يصل الظلم إلى ذلك الحد الذي يجعل أحد الشباب الخريجين من شدة الإذلالوقتل الكرامة الانسانية أن يحرق نفسه أمام الناس والظالم يصفعه وهو في شرفة قصرهيقول لمن أبلغه بالحادث فليمت ... وما درى ذلك الطاغية أن صرخات ذلك الشاب سيرفعهاالله فوق الغمام وستنال استجابة عاجلة من القوي المتين .. فما هي إلا ايام وقدزلزل الله الأرض من تحت أقدام الظالمين وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا علىأدبارهم خائفين خائبين مذعورين لا يجدون ملاذا أمنا. وسقطت عروشهم وأسقط في أيديهموحاصرتهم الأرض والسماء وانصرفوا دون أن تبكي عليهم لا أرض ولا سماء
يا أرضنا العربية... أليس من العار والعيب .... أن ينتحرالشباب وتذوق الأمة الويلات وتحارب في دينها وعقيدتها ويفرض عليها نظام كله ظلمفوق ظلم حتى يفهم الظالمون .. اليس من العار أن تحترق أجساد الشباب حتى يدركالظالمون فداحة ظلمهم... يا أرضنا العربية نرجو أن يغفر الله لمن أحرق نفسه ظلماوقهرا ونقول له
وحق الله إن الظلم لؤم ...... وأن الظلممرتعه وخيم
إلى الديان يوم الحشر نمضي ....... وعندالله تجتمع الخصوم
ونذكر كل الظالمين في أرضنا العربية...ونقول لهم
إذا جار الأمير وحاجباه ..... وقاضي الأرضأسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل .......لقاضي الأرض منقاضي السماء
" وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبينقلبون"