حياؤك فأحفظه عليك فإنما.. ... ..يدلُّ على فضل الكريم حياؤه
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه.. ... ..ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه
الحياء خلق الإسلام ذلك الخلق الذي تحلى به خير البشرية رسولنا الكريم صلوات ربى وسلامه عليه وقد جاء عن سيدنا محمد (( إنَّ لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء )) "موطأ مالك ، وسنن ابن ماجه " ولهذا كان الرسول الكريم أشد حياء من العذراء في خلوتها وقد اتبع الصحابة الكرام منهاج رسول الله واقتدوا به .
ولما للحياء من فضائل عديدة ،فقد دلت سنة نبينا عليها فقال أنه خيرٌ كلُّه ، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحياء لا يأتي إلا بخير )) ((أخرجاه في الصحيحين )) وقال : ((الحياء كله خير )) ((صحيح مسلم ))
وهو من الأخلاق التي يحبها الله ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(( إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء )) ((سنن أبي داود والنسائي )).
والحياء من الإيمان ، وكلما ازداد منه صاحبه ازداد إيمانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين )). وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((دعه فإن الحياء من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين))
ومن الفضائل الملموسة للحياء أنه يحمل على الاستقامة على الطاعة ، وعلى ترك المعصية ، هذا بالإضافة إلى أنه يوصل أصحابه إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار)) ((الترمذي)) والبذاء ضد الحياء ، فهو جرأة في فُحشٍ ، والجفاء ضد البر .
وللحياء أنواع عدة فقد قسم بعضهم الحياء إلى أنواع، ومنها:
1- الحياء من الله: وهو أن يعلم الإنسان أن الله مطلع عليه فيستحى أن يلقى الله وهو عاص وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ، والاستشعار برقابة الله لعبده تجعله يستحي من أن يراه على معصية.
2- الحياء من الملائكة: قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].
وفى هذا المعنى ذكر ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يعصي بين يديه فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]
3- الحياء من الناس: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس. وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.
وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: "ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت".
4- الحياء من النفس وطالما الإنسان يستحى من الناس فنفسه أحق عنده أن يستحى منها ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
إنَّ الحياء صفة من صفات الله رب العالمين ، والملائكة والمرسلين ، وصالح المؤمنين ، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال :((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين )) ((سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه)) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) ((صحيح مسلم)) دليل على اتصاف الملائكة به ، وهو خلق الأنبياء ، فقد جاء عن خاتمهم صلى الله عليه وسلم :(( أربع من سنن المرسلين : الحياء ، والتعطر ، والسواك ، والنكاح )) . ((سنن الترمذي))
وهو خلق المؤمنين الصادقين ، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يُذكِّر النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ بمناقبه فيقول:((وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ )) ((أحمد والترمذي وابن ماجة)).
الفرق بين الحياء والخجل:
هذا وقد يخلط بعض الناس بين الحياء والخجل ولكن في الحقيقة إن الخجل عكس الحياء فسبب الخجل هو شعور بالنقص داخل الإنسان , فهو يشعر أنه أضعف من الآخرين وأنه لا يستطيع مواجهتهم حتى ولو لم يفعل شيئاً خطأ وهذا مختلف تماماً عن الحياء ، فالحياء شعور نابع من الإحساس برفعة وعظمة النفس، فكلما رأيت نفسا رفيعة وعالية كلما استحييت أن تضعها في الدنايا فمن عنده حياء يستحي أن يزني أو يكذب لأنه لا يقبل أن تكون نفسه بهذه الصفات والخجول إذا أتيحت له الفرصة دون أن يراه أحد لفعل كما أن الخجل نقطة ضعف في حياة الإنسان ،يخجل أن يطالب بحقه أو يدلي بكلمة حق ،هذا خجول , بينما الحياء لا ينهى عن أن تطالب بحقك, ولا يمنع من أن توقف الناس عند حدهم ,كما أنه ليس من الحياء أن يسكت الإنسان على الباطل
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(( إن الله لا يستحيي من الحق)) ((سنن الترمذي))
وليس من الحياء أن يمتنع الإنسان من السؤال عن أمور دينه ، فالحياء يبعث على الخير ولا يصد عنه .ولذا مدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها :" رحم الله نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ". ((صحيح مسلم))
وأولى الناس بخلق الحياء النساء ، وقد خلَّد القرآن الكريم ذكر امرأة من أهل هذا الخلق ، قال الله عنها :{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ((سورة القصص ، الآية : 25)).
وقد قال العلماء :
الحياء بالرجل يدلُ على كرمهِ وأخلاقهِ ، والحياء بالمرأة يدلُ على عفتها ، والحياء بالولد يدلُ على ذكائهِ وأدبه
لذا يجب أن نعلم أن غياب الحياء من حياتنا يساعد على سيادة الفحش والعري والتفسخ
وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي.. ... ..ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير.. ... ..ويبقى العود ما بقي اللحاءُ