تقول السيدة هبة: بدأت أفكر لازم أعمل حاجه فأعلنت عن دروس محو أمية مجانا و كورسات لغة انجليزية وكمبيوتر.. تكلمت عن فكرتي مع إحدى السيدات الفضليات فقالت لي إنها على استعداد للتبرع بمبلغ مالي لتطوير المدرسة الموجودة في شارعنا.. طيرت من الفرحة لأني كنت بفكر جامد في التعليم و مش عجبني لا المنهج ولا طريقة تدريسه ولا المدارس الحكومية... رحت مدرسة المندرة الابتدائية وكانت أول مره أروح المدرسة.. لقيتها دمار غير آدمية بالمرة....


اتكلمت مع أستاذه هناك و قلت لها عاوزه أعمل فصل على حسابي، دخلت في دوامة الروتين بين الإدارة التعليمية والمدرسة .. لكني في النهاية حصلت على الموافقة إلا أن مديرة المدرسة طلبت منى طلب غريب... أبلط الحوش!!!! رفضت وحاولت أقنعها ان الفصل أهم علشان الأولاد بتقضى وقت أطول فيه وبعد محاولات ومناقشات حوالي 3 أيام وافقت في الآخر.
كلمت الصنايعية وبدأنا في أول فصل.. اشتريت ديسكات وباب ودهان الفصل، بعد كده كلمت مجموعة شباب بيدهنوا الشارع وحاولت أشرح لهم وطلبت منهم يساعدونا ولكن رفضوا مقتنعين انه لازم الشارع أولا... قلت لهم طيب ازاى الجيل ده هيحافظ على نظافة الشارع وهم قاعدين في المنظر ده؟؟؟!!! حتى الشارع في أسوء حالاته هيبقى جميل بالنسبة لهم لان عنيهم أخدت على شكل البهدلة!!! بس فشلت ولكن ادونى تليفون إحدى المتطوعات من المنطقة، اتصلت بيها وذهبت معي .. ولما رأت حالة المدرسة جمعت عدد من الشباب ودهنوا بأنفسهم فصل واتحملوا هما التكلفة واللي استغرقت وقت ومجهود كبير... وبكده انتهينا من فصلين.
كلمت أنا بعض أولياء الأمور من معارفي وتحمسوا للفكرة وتبرعوا أيضا، وأقف هنا أمام سيدة من المتبرعين لديها طفلين احدهما منغولي والآخر يعاني من الاوتزم وتصرف أموالا كثيرة على جلساتهم العلاجية لكنها لم تتردد في المساعدة.. وبالتبرعات ديه عملت فصلين كمان.. وبكده أصبحوا أربعة فصول ..
وبعدين كلمت كمان شباب جروب أنا هبني بلدي ... كنت نزلت معاهم مرتين ننضف الأحياء.. جه الأدمن وشاف المدرسة و كتر خيرهم عملوا فصلين كمان كده بقوا ستة فصول .
وبعدها معلمة الكمبيوتر طلبت اننا ندهن حجرة الكمبيوتر.. ولما اتأكدت ان الطلبة بيخشوا مش للمدرسين فقط وافقت.. وبعدين خطرت على بالي فكرة .. حاولت اقناع الناظرة في الاستعانة بجزء من الميزانية السنوية للمدرسة لدهان باقي الفصول... وبعد محاولات اقتنعت وقامت المدرسة بتجديد ثلاثة فصول على حساب المدرسة، كده معظم فصول المدرسة اتجددت يتبقى فقط ثلاثة فصول متعملوش ربنا يسهل و نعملهم.
وتتابع " لازلت مستمرة في باقي أعمالي التطوعية لتنمية منطقتي .. حيث بدأت بالفعل إعطاء كورسات لغة انجليزية مجانا للأمهات والشباب والأطفال وكذلك محو أمية وبنسق لكورسات كمبيوتر .. وده مجانا ومعايا مجموعة من الشباب اللي بيساعدونى.
التجربة ديه خلتني أشوف إننا لو أسقطنا سلبياتنا وتعاوننا مع بعضنا هنغير حاجات كتير.. مشكله مصر مش في الحكومة و لا النظام بس.
وعن نظرتها للمجتمع قبل وبعد الثورة تشير:
قبل الثورة لم أكن راضية عن حاجات كتير في البلد .. كنت شايفة ان المسئولية مشتركه بين الشعب والحكومة... مثلا الإسكندرية تم تطويرها وتوسيع الكورنيش وأصبحت أجمل لكن بعد كده تم لصق إعلانات عشوائية من الناس شوهت المنظر .. كمان كنت بنضف الشارع عندي و أرمي الزبالة في صندوق وبعدين يجي اللي بيجمع البلاستيك يفتح الكيس في الشارع ويكبه وياخد الزجاجات و يسيب الزبالة في الأرض.. فكنت بحلم بالتغيير في كل مكان في مصر لان بلدنا جميلة و تستاهل تكون أحسن من كده.
لكن لما قامت الثورة حسيت إن في أمل وانه آن الأوان للفعل والايجابية.. شعرت أني لا أساوى شئ جنب اللى ضحوا بأرواحهم وحسيت انى عليّ دين ليهم ووعدتهم وعد بيني وبين نفسي انى هبذل كل جهدي علشان مصر تتقدم.
عشان ده يحصل لازم كل مصري يواجه نفسه واخطاءه وسلبياته ويتجه للايجابية و يصبح شخص بناء ونسقط جميعا بعض المبادئ اللى انتشرت اوى زي "معاك قرش تسوى قرش".. "يا عم كبر".. "يعنى أنا اللي هصلح الكون".. "معلش.. كله ماشى".. "عيش ندل تموت مستور .. "يا عم دى بلد خربانه ما تيجى نهاجر".. "أنا اللى رأيي يمشى"..الخ، وهكذا إذا أسقطتنا السلبيات هنبقى دولة متقدمه لأننا لا ينقصنا شئ عندنا طاقه بشرية، وموارد مائية، وسياحة، ومناخ معتدل، وأرض خصبة، وموقع متميز، وثروات طبيعية.. و الله حرام علينا بعد النعم دى و نبقى كده.
لكن لا يزال يتملكني قلق على مسار الثورة .. فأنا أخاف عليها من الأمية .. والجهل السياسي لدى المتعلمين.. والإعلام المضلل.. والثورة المضادة.
كلمة شكر إلى أصحاب الفضل:
وجهت السيدة هبة كلمات شكر رقيقة لمن لهم الفضل عليها قائلة : لا يفوتني أن أوجه رسالة شكر لأبي وأمي لأنهما مثال للكفاح والإرادة.. والدي علمني الإرادة القوية والصبر وكثره العمل وإتقانه والضمير ومراقبه ربى في معاملة عباده له منى كل الاحترام و الشكر، ووالدتي التي تعمل بكد فهي تبدأ يومها الساعة الرابعة صباحا تنظم البيت و تذهب لعملها.. وتعود في السادسة أو السابعة مساء ومع ذلك كنا نجد كل شئ مرتب.. لها منى كل الشكر و الاحترام و أنا تعلمت منهم حاجات كتير.
وأخيرا توجهت بأسمى معاني الشكر لمن لهم الفضل الحقيقي في نجاح ثورة مصر وهم شهداء ومصابي ثورة 25 يناير قائلة :
عاوزه أقولكم " تراب رجليكم يساوى عندي الدنيا وما فيها وآسفة جدا على اللي حصلكم وبجد قلبي محروق عليكم جدا ربنا ميضعش دمكم هدر وفى الجنة ونعيمها إن شاء الله"... ولا يمكن أنسى المصابين فأقولهم " لحظة ألم بتبقى صعبة أوى ربنا يبدل سيئاتكم حسنات بكل لحظه ألم مريتم بيها وانتم مثال فعلا للكرامة والتضحية واى كلمه مهما كانت قوة معناها مش هتقدر توصف اد ايه حزينة عليكم".
.............................
هذه كانت تجربة المواطنة هبة إبراهيم التي أثبتت بالفعل قبل القول أنها تعشق مصر بحق وتريدها أفضل دولة في العالم.. ولها مني كل الاحترام لأني تعلمت الكثير من تجربتها وحماسها الذي عكسه تعبيراتها البسيطة والتلقائية، وأتمنى أن تتكرر هذه التجربة في كل ربوع مصر .. ساعتها سنجد بلدنا أصبحت شيئا آخرا.