أستاذ هيكل .. نقر لك في البداية أنك كاتب مشهور منذ أكثر من خمسين عاما.. وأنك تمتلك شبكة علاقات واسعة ومتشعبة إلى مناطق غامضة. فجميع أحداث العالم أنت على معرفة بها وكل الزعماء والحكام في أمريكا وأوروبا والمنطقة العربية أنت قريب جدا منهم وشاهد وعلى دراية بكل الأحداث التي يقومون بها في بلادهم. كما نشهد لك أنك خبير في كل الأمور السياسية والعسكرية والاستراتيجية، بحسب ما تقوله في كتاباتك.
ولكن كل هذا لا يعطيك الحق في أن تخوض في أمور وأحداث ما زال أبطالها أحياء. وأن تخترع تخيلات وتحللها بشكل مغلوط تماما حتى تتوصل لنتائج هي أبعد ما تكون عن الحقيقة التي نعلمها نحن أبطال هذه الأحداث. وحتى أشهد القارئ على صحة ما أقول فلنرجع إلى مقالتك بصراحة التي كتبتها في 2 يونيو1967 وقد قلت فيها بالنص ( إما أن تضرب إسرائيل لكي تكسر الحصار العربي حولها.. وإما أن لا تضرب وتنكسر من الداخل. ومهما يكن وبدون محاولة لاستباق الحوادث فإن إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة سواء من الداخل أو الخارج). هذه كانت كلماتك يا أستاذ هيكل بما لديك من وعي سياسي واستراتيجي وعسكري.
وقد ذكرت في حواراتك في قناة الجزيرة معلومات مغلوطة تماما عن حرب 1967، وصدقك العامة لأن المتحدث هو الأستاذ هيكل المشهور المطلع وحده على كل الأحداث.. والرد على ما قلته واخترعته موجود وموثق وأنا شخصيا جاهز لتفنيد كل ما ذكرته. ثم جاءت الثورة المصرية الرائعة وسقط حسني مبارك لأخطائه الكارثة الفادحة. وكان لابد وأن تدلي بدلوك في الأحداث وأنت العليم بكل الأمور. فاخترت أن تشكك في الضربة الجوية الأولى حتى تثبت أن مبارك كان فاسدا. وهو مبدأ غريب أن يصدر من كاتب في هذا السن. فأخطاء مبارك كثيرة ومتعددة طوال 30 عاما، بل وحتى في حرب أكتوبر كانت له أخطاء فادحة، لكن هذا لا ينفي عظمة وروعة التخطيط والأداء في الضربة الجوية الأولى.
يا أستاذ هيكل تقول أن الأمر لم يكن يحتاج إلى كل هذا العدد من الطائرات وكان يكفي 12 –18 طائرة لكي تقوم بالمهمة. وأن إسرائيل أخلت المواقع المستهدفة فكانت خسائرها محدودة. وأن هذا العدد (220 طائرة) كان لرفع الروح المعنوية لجنود الجبهة. واسمح لنا نحن العسكريون أن نرد عليك بوقائع وأسلوب علمي عسكري، حتى لا يصبح حوارنا كلام مقاهي. أولا يا أستاذ هيكل الموجود في الخطة من أهداف كان قصف وتدمير 3 مطار ( المليز وتمادا ورأس نصراني) وكل مطار يحتاج إلى 8 – 12 طائرة + مهاجمة وتدمير 4 موقع صواريخ هوك مضاد للطائرات وكل موقع يخصص له 8 طائرة + تدمير مركزين قيادة وسيطرة في أم مرجم وأم خشيب وكل مركز يحتاج إلى 12 طائرة + قصف 11 موقع مدفعية وتخصص لكل موقع 4 طائرة . بهذا يكون المجموع لمهاجمة وتدمير تلك الأهداف هو 136 طائرة. أما باقي الطائرات فقد تخصص لها مهاجمة وتدمير التجمع الرئيسي لقوات العدو أمام كل من الجيش الثاني والثالث.
ولم تكن المدفعية المصرية قادرة على تدمير كل تلك الأهداف التي ستؤثر في الساعات الأولى من عملية العبور. كما أن إسرائيل لم تسحب أي من قواتها أو معداتها قبل الهجوم، لأنها كانت على علم ودراية يكل ما تقوم به القوات المسلحة المصرية من حشد في منطقة القناة. لكنهم كانوا مختلفين في الحكومة الإسرائيلية على هل ستقوم مصر بالحرب أم لا؟. وقد رتبوا لأن يقوموا بهجمة جوية على مصر يوم8 أكتوبر إذا تأكد لهم أننا جادين في بدء الحرب. وأنا لا أشاهد الأحداث عن قرب مثلك لكني أحيلك إلى مذكرات جولدا مائير رئيسة الحكومة ومذكرات موشي ديان وزير الدفاع ومذكرات إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية. وقد اتفقوا جميعهم على ما ذكرته.
أستاذ هيكل أقوالك دائما تتناقض مع بعضها وخير دليل وإثبات على ذلك أن ما تكتبه في الصحف يتناقض كثيرا مع ما تنشره في كتبك، لكنك تعتمد على ضعف ذاكرة العامة والمريدين.. أستاذ هيكل من فضلك ابتعد عن تاريخ الحروب المصرية الإسرائيلية واترك لنا نحن هذه المهمة. فما تقوله تزوير للتاريخ وإهانة للعسكرية المصرية التي سطر رجالها بدمائهم وعرقهم أنصع الصفحات.
لواء طيار أ.ح متقاعد
محمد زكي عكاشة